الأحاديث الصحيحة التي تفرد بروايتها أبو هريرة رضي الله عنه
الحمد لله، والصلاة على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فإن أكثر الأحاديث الصحيحة الثابتة عن حافظ الصحابة أبي هريرة رضي الله عنه لم يتفرد بروايتها وحده، بل رواها معه غيره من الصحابة الكرام، وقد قال الشيخ المحدث محمد ضياء الرحمن الأعظمي في كتابه “أبو هريرة في ضوء مروياته بشواهدها وحال انفرادها”، وهي رسالة ماجستير: “الأحاديث التي انفرد بها أبو هريرة قليلة جدًّا، لا يتجاوز الصحيح منها مائتين وعشرين حديثًا”، وقال: “هذا ما تبين لي اليوم، ومن الممكن غدًا أن أطَّلع على شواهد لهذه المنفردات أيضًا إن شاء الله”.
وقد قمت في هذا البحث بدراسة الأحاديث التي ذكرها، فبحثي هذا هو مكمل لبحث الشيخ محمد ضياء الرحمن الأعظمي جزاه الله خيرًا، فإني عمدت إلى ما ذكره من الأحاديث التي تفرد بها أبو هريرة رضي الله عنه، وبحثت عن حال تلك الأحاديث من حيث الصحة والضعف، واجتهدت في بحث شواهد لها، وقد وجدت أن الشيخ الأعظمي حسَّن بعض أحاديث أبي هريرة الضعيفةِ الإسناد؛ فقد ذكر في مقدمة رسالته أنه يحسِّن جميع أحاديث ابن لهيعة وشهر بن حوشب، ومعلوم أن كثيرًا من أهل الحديث يضعف ما تفردَا به، وبعضهم له تفصيل في أحاديث ابن لهيعة، وحسَّن الشيخ الأعظمي بعض أحاديث أبي هريرة وفيها ضعف ظاهر، مثل الحديث الذي رواه أبو داود (248) والترمذي (106) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن تحت كل شعرة جنابة، فاغسلوا الشعر، وأنقوا البشر))، قال أبو داود بعد روايته لهذا الحديث: “الحارث بن وجيه: حديثه منكر، وهو ضعيف”، وقال الترمذي بعد روايته: “وفي الباب عن علي، وأنس، حديث الحارث بن وجيه: حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديثه، وهو شيخ ليس بذاك، وقد روى عنه غير واحد من الأئمة، وقد تفرد بهذا الحديث، عن مالك بن دينار”، وقد وجدت كثيرًا من الأحاديث صححها الشيخ الأعظمي أو حسنها والراجح أنها ضعيفة.
ثم إن الشيخ المحقق المحدث الأعظمي كتب رسالته النافعة في آخر القرن الهجري الماضي سنة 1393هـ قبل تيسر البحث العلمي باستخدام الكمبيوتر؛ ولذلك فإن كثيرًا من الأحاديث التي ذكر أن أبا هريرة تفرد بها سيجد الباحث الآن أنه لم يتفرد بها، وقد تتبعت ما ذكره الشيخ الأعظمي في رسالته من تفردات أبي هريرة رضي الله عنه، فوجدت كثيرًا جدًّا من تلك الأحاديث التي جعلها من مفردات أبي هريرة لها شواهد من حديث غير أبي هريرة رضي الله عنه، وأكثر ما استفدت في معرفة شواهد حديث أبي هريرة من تحقيق مسند الإمام أحمد للأرناؤوط ومن معه من الباحثين؛ فإنهم يهتمون جدًّا بذِكر الشواهد على طريقة الإمام الترمذي في سننه، فيُخرِّجون حديث أبي هريرة ثم يقولون: وفي الباب حديث فلان وفلان، فيذكرون الشواهد ويخرجونها، ومع جمعهم النافع وتحقيقهم الماتع فقد وجدت بواسطة البحث في المكتبة الشاملة كثيرًا من الشواهد لأحاديث أبي هريرة لم يذكروها، لا سيما في المعجم الكبير للطبراني ومسند البزار وكنز العمال، والسلسلة الصحيحة وإرواء الغليل للألباني، ثم بعد ذلك بحثت عن شواهدَ أخرى بواسطة البحث في موقع الدرر السنية (الموسوعة الحديثية) فتفاجأت أنه لا يزال يوجد بعض الأحاديث عن أبي هريرة لها شواهد لم أعرفها في المرحلة الأولى من البحث ﴿ وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً ﴾ [الإسراء: 85]!
وبعد هذا التتبع والتحقيق وجدت أن الأحاديث الثابتة الصحيحة والحسنة التي تفرد بها أبو هريرة رضي الله عنه هي نحو 110 أحاديث فقط، والله أعلم، ولا أنسى أن أقول كما قال المحدث الأعظمي في رسالته التي بحثي هذا متمِّمٌ لها: هذا ما تبين لي اليوم، ومن الممكن غدًا أن أطَّلع على شواهد لهذه المنفردات أيضًا أو يجد غيري.
وأحب أن أنبه أن هذا العدد تقريبي وليس قطعيًّا؛ لسببين:
السبب الأول: أن بعض الأحاديث الصحيحة عن أبي هريرة رضي الله عنه لم نذكرها هنا لوجود شاهد لها، لكن قد يكون الشاهد ضعيفًا، فلا يشترط أن يكون الشاهد صحيحًا، فإني والشيخ الأعظمي من قبلي إذا وجدنا حديثًا صحيحًا عن أبي هريرة ثم وجدنا له أي شاهد ولو بإسناد ضعيف فإنا لا نذكر ذلك الحديث من تفردات أبي هريرة رضي الله عنه، مثال ذلك:
روى أحمد وأبو داود والترمذي بسند صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من لم يشكر الناس، لم يشكر الله عز وجل)).
فهذا الحديث الثابت عن أبي هريرة له شاهد من حديث أبي سعيد الخدري، لكن سنده ضعيف؛ رواه أحمد (11280) من طريق ابن أبي ليلى عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من لم يشكر الناس لم يشكر الله))، ومحمد بن عبدالرحمن بن أبي ليلى وعطية العَوفي ضعيفان.
مثال آخر: روى البخاري ومسلم كلاهما من طريق محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من نسي وهو صائم، فأكل أو شرب، فليتم صومه؛ فإنما أطعمه الله وسقاه)).
فهذا الحديث له شاهد عن صحابية اسمها أم إسحاق، لكن سنده ضعيف، رواه أحمد في مسنده (27069) عن أم حكيم بنت دينار عن مولاتها أم إسحاق أنها كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتي بقصعة من ثريد، فأكلت معه، ومعه ذو اليدين، فناولها رسول الله صلى الله عليه وسلم عرقًا، فقال: ((يا أم إسحاق، أصيبي من هذا))، فذكرت أني كنت صائمة، فبردت يدي لا أقدمها، ولا أؤخرها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما لك؟))، قالت: كنت صائمة فنسيت، فقال ذو اليدين: الآن بعدما شبعت! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أتمي صومك؛ فإنما هو رزق ساقه الله إليك)).
فهذا الحديث لا يصح، ومع هذا لم نذكر حديث أبي هريرة – ((من نسي وهو صائم، فأكل أو شرب، فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه)) – في بحثنا هذا الجامع لمفردات أبي هريرة؛ لوجود هذا الشاهد له، ولو كان الشاهد ضعيفًا.
السبب الثاني: أن بعض الأحاديث الصحيحة عن أبي هريرة رضي الله عنه لم نذكرها هنا لوجود شاهد لها، لكن قد يكون الشاهد مختلفًا سياقه عن سياق حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أو قد يكون شاهدًا لحديث أبي هريرة في أغلبه ما عدا جملة أو جملتين، ومع وجود جملة تفرد بروايتها أبو هريرة رضي الله عنه لا نذكر ذلك الحديث من تفردات أبي هريرة رضي الله عنه؛ لوجود شاهد لأصل الحديث ومعظم الحديث، مثال ذلك:
روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسكت بين التكبير وبين القراءة إسكاتة هنية، فقلت: بأبي وأمي يا رسول الله، إسكاتك بين التكبير والقراءة ما تقول؟ قال: ((أقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي، كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسل خطاياي بالماء والثلج والبرد)).
فهذا الحديث وجدت له شاهدين من حديثَيْ سمرة بن جندب وابن أبي أوفى رضي الله عنهما، ولكنَّ الشاهدين بغير هذا السياق:
فحديث سمرة رواه الطبراني في المعجم الكبير (7048) من طريق خبيب بن سليمان بن سمرة عن أبيه عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إذا صلى أحدكم فليقل: اللهم باعد بيني وبين خطيئتي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم أعوذ بك أن تصد عني وجهك يوم القيامة، اللهم نقني عن خطيئتي كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس، اللهم أحيِني مسلمًا، وأمِتْني مسلما)).
وروى الطبراني أيضًا في المعجم الكبير (6950) من طريق الحسن البصري عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((اللهم باعدني من ذنوبي كما باعدت بين المشرق والمغرب، ونقني من خطيئتي كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس)).
وحديث ابن أبي أوفى رواه الطبراني في المعجم الأوسط (2179) عن ابن أبي أوفى رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((اللهم طهرني بالثلج والبرد والماء البارد، اللهم طهرني من الذنوب كما يطهر الثوب الأبيض من الدنس)).
مثال آخر: روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة: عيسى، وكان في بني إسرائيل رجل يقال له: جريج، كان يصلي، جاءته أمُّه فدعته، فقال: أجيبها أو أصلي، فقالت: اللهم لا تمته حتى تريه وجوه المومسات، وكان جريج في صومعته، فتعرضت له امرأة وكلمته فأبى، فأتت راعيًا فأمكنته من نفسها، فولدت غلامًا، فقالت: مِن جريج! فأتوه فكسروا صومعته وأنزلوه وسبوه، فتوضأ وصلى ثم أتى الغلام، فقال: من أبوك يا غلام؟ قال: الراعي، قالوا: نبني صومعتك من ذهب! قال: لا، إلا من طين، وكانت امرأة ترضع ابنًا لها من بني إسرائيل، فمر بها رجل راكب ذو شارة، فقالت: اللهم اجعل ابني مثله، فترك ثديها وأقبل على الراكب، فقال: اللهم لا تجعلني مثله، ثم أقبل على ثديها يمصه – قال أبو هريرة: كأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يمص إصبعه – ثم مر بأَمَة، فقالت: اللهم لا تجعل ابني مثل هذه، فترك ثديها، فقال: اللهم اجعلني مثلها، فقالت: لم ذاك؟ فقال: الراكب جبار من الجبابرة، وهذه الأَمَة يقولون: سرقتِ، زنيتِ، ولم تفعل)).
فهذا الحديث عن أبي هريرة له شاهد من حديث عمران بن حصين، لكنه بغير هذا السياق؛ فقد روى الطبراني في المعجم الكبير (558) من طريق أبي حرب قال: تذاكرنا البِر عند عمران بن حصين، فقال عمران بن حصين: تذاكرنا البِر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنشأ يحدثنا فقال: ((إنه كان فيما قبلكم من الأمم رجل متعبد صاحب صومعة يقال له: جريج، وكانت له أم، وكانت تأتيه فتناديه، فيشرف عليها فيكلمها، فأتته يومًا وهو في صلاته مقبل عليها، فنادته، فحكاها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووضع يده على جبهته، فجعلت تناديه رافعة رأسها، واضعة يدها على جبهتها: أي جريجُ، أي جريج، ثلاث مرات، كل مرة ثلاث مرات، كل ذلك يقول جريج: أي ربِّ، أمي أو صلاتي، فغضبت فقالت: اللهم لا يموتن جريج حتى ينظر في وجوه المومسات، قال: وبلغت بنت ملك القرية، فحملت فولدت غلامًا، فقالوا لها: من فعل هذا بك؟ من صاحبك؟ قالت: هو صاحب الصومعة جريج! فما شعر حتى سمع بالفؤوس في أصل صومعته، فجعل يسألهم: ويلكم ما لكم؟! فلم يجيبوه، فلما رأى ذلك أخذ الحبل، فتدلى، فجعلوا يجرون أنفه، ويضربونه ويقولون: مُراءٍ تخادع الناس بعملك، قال لهم: ويلكم ما لكم؟! قالوا: أنت صاحب بنت الملك التي أحبلتها؟ قال: فما فعلت؟! قالوا: ولدت غلامًا، قال: الغلام حي هو؟ قالوا: نعم، قال: فتولوا عني، فتولوا، فصلى ركعتين، ثم انتهى، ثم مشى إلى شجرة فأخذ منها غصنًا، ثم أتى بالغلام وهو في مهده، فضربه بذلك الغصن، وقال: يا طاغية، من أبوك؟ قال: أبي فلان الراعي، قالوا: إن شئت بنينا لك صومعتك بذهب، وإن شئت بفضة، قال: أعيدوها كما كانت))، فزعم أبو حرب أنه لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة: (عيسى ابن مريم، وشاهد يوسف، وصاحب جريج).
فقصة جريج العابد رواها أبو هريرة وعمران بن حصين رضي الله عنهما، ولكن سياقهما مختلف، وفي حديث أبي هريرة زيادات لم تذكر في حديث عمران، ومع هذا لم أذكر حديث أبي هريرة في هذا البحث الجامع لمفردات أبي هريرة؛ لوجود هذا الشاهد له، ولو كان السياق مختلفًا بعض الشيء.
وبعد، فهذا ذكر الأحاديث الصحيحة والحسنة التي تفرد بها أبو هريرة رضي الله عنه مرتَّبة على الأبواب الفقهية:
أولاً: أحاديث العقيدة:
1- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن لله تسعة وتسعين اسمًا، مائة إلا واحدًا، من أحصاها دخل الجنة))؛ متفق عليه.
2- عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال الله عز وجل: ((لما خلق الله الخلق، كتب في كتابه، فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي تغلِب غضبي))؛ متفق عليه.
ثانيًا: أحاديث الأحكام:
3- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا استيقظ أحدكم من منامه، فليستنثر ثلاث مرات؛ فإن الشيطان يبيت على خياشيمه))؛ رواه مسلم.
4- عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: ((كانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل يرفع طورًا، ويخفض طورًا))؛ أخرجه أبو داود وحسنه الألباني.
5- عن أبي هريرة رضي الله عنه يقول: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نهض من الركعة الثانية استفتح القراءة بـ: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ ولم يسكت))؛ رواه مسلم معلقًا، وابن حبان موصولاً، وصححه الألباني.
6- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا قال الإمام: ﴿ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾، فقولوا: آمين؛ فإنه من وافق قوله قول الملائكة غُفر له ما تقدم من ذنبه))؛ متفق عليه.
7- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (كان من تلبية النبي صلى الله عليه وسلم: لبيك إله الحق)؛ أخرجه النسائي وابن ماجه وصححه الألباني.
8- عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الرهن يركب بنفقته، إذا كان مرهونًا، ولبن الدر يشرب بنفقته، إذا كان مرهونًا، وعلى الذي يركب ويشرب النفقة))؛ أخرجه البخاري.
9- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يمينك على ما يصدقك به صاحبك))؛ أخرجه مسلم.
10- عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا تجوز شَهادة بدوي على صاحب قرية))؛ أخرجه أبو داود وصححه الألباني.
11- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إن امرأة جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: فداك أبي وأمي، إن زوجي يريد أن يذهب بابني وقد نفعني وسقاني من بئر أبي عنبة، فجاء زوجها وقال: من يخاصمني في ابني؟ فقال: ((يا غلام، هذا أبوك وهذه أمك، فخذ بيد أيهما شئت))، فأخذ بيد أمه، فانطلقت به؛ أخرجه النسائي وصححه الألباني.
ثالثًا: أحاديث الفضائل والترغيب والترهيب:
12- عن أبي حازم قال: كنت خلف أبي هريرة رضي الله عنه وهو يتوضأ للصلاة، فكان يمد يده حتى تبلغ إبطه، فقلت له: يا أبا هريرة، ما هذا الوضوء؟ فقال: يا بني فروخ، أنتم ها هنا؟ لو علمت أنكم ها هنا ما توضأت هذا الوضوء، سمعت خليلي صلى الله عليه وسلم يقول: ((تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء))؛ رواه مسلم.
13- عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، ((من غدا إلى المسجد أو راح، أعد الله له في الجنة نزلاً كلما غدا أو راح))؛ متفق عليه.
14- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال محمد صلى الله عليه وسلم: ((أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحوِّل الله رأسه رأس حمار؟))؛ متفق عليه.
15- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا غرار في صلاة ولا تسليم))؛ رواه أحمد وأبو داود وصححه الألباني، قال ابن الأثير في كتابه النهاية في غريب الحديث: “(الغرار) النقصان، ويريد بـ: (غرار الصلاة) نقصان هيئتها وأركانها، و(غرار التسليم) أن يقول المجيب: “وعليك”، ولا يقول: السلام”.
16- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الفاتحة: 2]، قال الله تعالى: حمدني عبدي، وإذا قال: ﴿ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾ [الفاتحة: 3]، قال الله تعالى: أثنى علي عبدي، وإذا قال: ﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾ [الفاتحة: 4]، قال: مجَّدني عبدي – وقال مرة: فوَّض إلي عبدي – فإذا قال: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 5]، قال: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل، فإذا قال: ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾ [الفاتحة: 6، 7]، قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل))؛ أخرجه مسلم.
17- عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((كل خطبة ليس فيها تشهد، فهي كاليد الجذماء))؛ أخرجه أبو داود وصححه الألباني.
18- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا صليتم بعد الجمعة فصلوا أربعًا))؛ أخرجه مسلم.
19- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرَ على الصدقة، فقيل: منع ابن جميل، وخالد بن الوليد، والعباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما ينقم ابن جميل إلا أنه كان فقيرًا فأغناه الله، وأما خالد فإنكم تظلمون خالدًا، قد احتبس أدراعه وأعتاده في سبيل الله، وأما العباس فهي علي، ومثلها معها))؛ ثم قال: ((يا عمر، أما شعرت أن عم الرجل صنوُ أبيه؟))؛ متفق عليه.
20- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من صاحب ذهب ولا فضة، لا يؤدي منها حقها، إلا إذا كان يوم القيامة، صفحت له صفائح من نار، فأحمي عليها في نار جهنم، فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره، كلما بردت أعيدت له، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد، فيرى سبيله، إما إلى الجنة، وإما إلى النار))، قيل: يا رسول الله، فالإبل؟ قال: ((ولا صاحب إبل لا يؤدي منها حقها، ومن حقها حلبها يوم وردها، إلا إذا كان يوم القيامة، بطح لها بقاع قرقر، أوفر ما كانت، لا يفقد منها فصيلاً واحدًا، تطؤه بأخفافها وتعَضُّه بأفواهها، كلما مر عليه أُولاها رد عليه أخراها، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد، فيرى سبيله إما إلى الجنة، وإما إلى النار))، قيل: يا رسول الله، فالبقر والغنم؟ قال: ((ولا صاحب بقر، ولا غنم، لا يؤدي منها حقها، إلا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرقر، لا يفقد منها شيئًا، ليس فيها عقصاء، ولا جلحاء، ولا عضباء، تنطحه بقرونها وتطؤه بأظلافها، كلما مر عليه أولاها رد عليه أخراها، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد، فيرى سبيله إما إلى الجنة، وإما إلى النار))، قيل: يا رسول الله، فالخيل؟ قال: ((الخيل ثلاثة: هي لرجل وِزر، وهي لرجل ستر، وهي لرجل أجر، فأما التي هي له وزر، فرجل ربطها رياءً وفخرًا ونواءً على أهل الإسلام، فهي له وزر، وأما التي هي له ستر، فرجل ربطها في سبيل الله، ثم لم ينسَ حق الله في ظهورها ولا رقابها، فهي له ستر، وأما التي هي له أجر، فرجل ربطها في سبيل الله لأهل الإسلام، في مرج وروضة، فما أكلت من ذلك المرج، أو الروضة من شيء، إلا كتب له عدد ما أكلت حسنات، وكتب له عدد أرواثها وأبوالها حسنات، ولا تقطع طِوَلها فاستنت شرفًا أو شرفين، إلا كتب الله له عدد آثارها وأرواثها حسنات، ولا مر بها صاحبها على نهر، فشربت منه ولا يريد أن يسقيها إلا كتب الله له عدد ما شربت حسنات))، قيل: يا رسول الله، فالحُمُر؟ قال: ((ما أنزل علي في الحمر شيء، إلا هذه الآية الفاذة الجامعة: ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ [الزلزلة: 7، 8]))؛ أخرجه مسلم.
21- عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من حج هذا البيت فلم يرفُث ولم يفسُق، رجع كيوم ولدته أمه))؛ متفق عليه.
22- عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((والله لأن يلج أحدكم بيمينه في أهله آثم له عند الله من أن يعطي كفارته التي فرض الله))؛ متفق عليه.
23- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لعن الله السارق، يسرق البيضة فتقطع يده، ويسرق الحبل فتقطع يده))؛ متفق عليه.
24- عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذ يريد إتلافها أتلفه الله))؛ أخرجه البخاري.
25- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أحدكم إذا كان في المسجد جاء الشيطان، فأبس به كما يأبس الرجل بدابته، فإذا سكن له زنقه، أو ألجمه)) قال أبو هريرة: “فأنتم ترون ذلك، أما المزنوق فتراه مائلا كذا، لا يذكر الله، وأما الملجوم ففاتح فاه لا يذكر الله؛ أخرجه أحمد، وصححه الأرناؤوط، قوله: “فأبس به” قال السندي: من الإبساس: وهو التلطف بالدابة بأن يقال لها: بس بس، تسكينًا لها.
26- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أيها الناس، إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴾ [المؤمنون: 51]، وقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ﴾ [البقرة: 172]، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء، يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك؟))؛ أخرجه مسلم.
27- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((قال الله عز وجل: ومن أظلم ممن ذهب يخلق خلقًا كخلقي؟! فليخلقوا ذرة، أو ليخلقوا حبة، أو ليخلقوا شَعيرة))؛ متفق عليه.
28- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لأن أقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، أحبُّ إليَّ مما طلعت عليه الشمس))؛ أخرجه مسلم.
29- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم))؛ متفق عليه.
30- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوَّذ من جَهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء)؛ قال سفيان: (الحديث ثلاث، زِدت أنا واحدة، لا أدري أيتهن هي)؛ متفق عليه، والتي زادها سفيان بن عيينة هي: شماتة الأعداء، كما جاء مبينًا في مستخرج الإسماعيلي كما حققه الحافظ في فتح الباري (11/148).
31- عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما قال عبد: لا إله إلا الله قط مخلصًا، إلا فتحت له أبواب السماء حتى تفضي إلى العرش، ما اجتنب الكبائر))؛ أخرجه الترمذي وحسنه الألباني.
32- عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في سجوده: ((اللهم اغفر لي ذنبي كله، دِقَّه وجِلَّه، وأوله وآخره، وعلانيته وسرَّه))؛ أخرجه مسلم.
33- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أُفتِيَ بغير علم كان إثمه على من أفتاه))؛ أخرجه أبو داود وحسنه الألباني.
34- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أول ما يسأل عنه يوم القيامة – يعني العبد من النعيم – أن يقال له: ألم نصحَّ لك جسمك، ونُرويَك من الماء البارد))؛ أخرجه الترمذي وصححه الألباني.
35- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يجزي ولدٌ والده إلا أن يجده مملوكًا فيشتريه فيعتقه))؛ أخرجه مسلم.
36- عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من خارج يخرج – يعني من بيته – إلا ببابه رايتان: راية بيد مَلَك، وراية بيد شيطان، فإن خرج لما يحب الله عز وجل، اتبعه الملَك برايته، فلم يزل تحت راية الملك حتى يرجع إلى بيته، وإن خرج لما يُسخط اللهَ، اتبعه الشيطان برايته، فلم يزل تحت راية الشيطان حتى يرجع إلى بيته))؛ أخرجه أحمد وحسنه الأرناؤوط.
رابعًا: أحاديث الأخلاق والآداب:
37- عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((قال الله: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرًّا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرًا فاستوفى منه ولم يُعطِ أجره))؛ أخرجه البخاري.
38- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رجل: يا رسول الله، إن فلانةَ يذكر من كثرة صلاتها، وصيامها، وصدقتها، غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها، قال: ((هي في النار))، قال: يا رسول الله، فإن فلانةَ يذكر من قلة صيامها، وصدقتها، وصلاتها، وإنها تصدق بالأثوار من الأقط، ولا تؤذي جيرانها بلسانها، قال: ((هي في الجنة))؛ أخرجه أحمد وصححه الألباني.
39- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت أبا القاسم الصادقَ المصدوق صلى الله عليه وسلم صاحب هذه الحجرة يقول: ((لا تُنزَع الرحمة إلا من شقي))؛ أخرجه أبو داود وحسنه الألباني.
40- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا قال الرجل: هلك الناس، فهو أهلَكُهم))؛ أخرجه مسلم.
41- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجِز، وإن أصابك شيء، فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدَر الله وما شاء فعل، فإن “لو” تفتح عمل الشيطان))؛ أخرجه مسلم.
42- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله عز وجل: ((أنفِق أُنفِق عليك، وقال: يد الله ملأى لا تَغيضها نفقة، سحاء الليل والنهار، وقال: أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماء والأرض؟! فإنه لم يغض ما في يده، وكان عرشه على الماء، وبيده الميزان يخفض ويرفع))؛ متفق عليه.
43- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إني مجهود، فأرسل إلى بعض نسائه، فقالت: والذي بعثك بالحق، ما عندي إلا ماء، ثم أرسل إلى أخرى، فقالت مثل ذلك، حتى قلن كلهن مثل ذلك: لا، والذي بعثك بالحق، ما عندي إلا ماء، فقال: ((من يضيف هذا الليلة رحمه الله؟))، فقام رجل من الأنصار، فقال: أنا يا رسول الله، فانطلق به إلى رحله، فقال لامرأته: هل عندك شيء؟ قالت: لا، إلا قوت صبياني، قال: فعلِّليهم بشيء، فإذا دخل ضيفنا فأطفئي السراج، وأريه أنَّا نأكل، فإذا أهوى ليأكل، فقومي إلى السراج حتى تطفئيه، قال: فقعدوا وأكل الضيف، فلما أصبح غدا على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ((قد عجب الله من صنيعكما بضيفكما الليلة))؛ أخرجه مسلم.
44- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يَفرَكْ مؤمن مؤمنة، إن كره منها خُلقًا رضي منها آخر))؛ أخرجه مسلم.
45- عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يقُل أحدكم: اسقِ ربك، أطعم ربك، وضِّئ ربك، ولا يقل أحدكم: ربي، وليقل: سيدي مولاي، ولا يقل أحدكم: عبدي، أمتي، وليقل: فتاي، فتاتي، غلامي))؛ متفق عليه.
46- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((إياكم والظن؛ فإن الظن أكذبُ الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا، ولا تنافسوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانًا))؛ متفق عليه.
47- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((شر ما في رجل: شح هالع، وجبن خالع))؛ أخرجه أبو داود وصححه الألباني.
48- عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((مثل البخيل والمنفِق كمثل رجلين عليهما جُبتان من حديد من ثديهما إلى تراقيهما، فأما المنفق فلا ينفق إلا سبغت أو وفرت على جلده، حتى تخفي بنانه وتعفو أثَرَه، وأما البخيل فلا يريد أن ينفق شيئًا إلا لزقت كل حلقة مكانها، فهو يوسعها ولا تتسع))؛ متفق عليه.
49- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ثلاثة حق على الله عونُهم: المجاهد في سبيل الله، والمكاتَب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف))؛ أخرجه الترمذي وحسنه الألباني.
50- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجلٌ استشهد، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت، قال: كذبت، ولكنك قاتلت لأن يقال: جريء، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل تعلم العلم وعلمه، وقرأ القرآن، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته، وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت، ولكنك تعلمت العلم ليقال: عالم، وقرأت القرآن ليقال: هو قارئ، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل وسع الله عليه، وأعطاه من أصناف المال كله، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك، قال: كذبت، ولكنك فعلت ليقال: هو جوَاد، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه، ثم ألقي في النار))؛ أخرجه مسلم.
51- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا انتعل أحدكم فليبدأ باليمنى، وإذا خلع فليبدأ بالشمال، ولينعلهما جميعًا، أو ليخلعهما جميعًا))؛ متفق عليه.
خامسًا: أحاديث الجهاد في سبيل الله:
52- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تضمن الله لمن خرج في سبيله، لا يخرجه إلا جهادًا في سبيلي، وإيمانًا بي، وتصديقًا برسلي، فهو عليَّ ضامن أن أدخله الجنة، أو أرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه، نائلاً ما نال من أجر أو غنيمة، والذي نفس محمد بيده، ما من كَلْم يُكلَم في سبيل الله، إلا جاء يوم القيامة كهيئته حين كُلِم، لونه لون دم، وريحه مسك، والذي نفس محمد بيده، لولا أن يشق على المسلمين ما قعدتُ خلاف سرية تغزو في سبيل الله أبدًا، ولكن لا أجد سَعة فأحملهم، ولا يجدون سَعة، ويشق عليهم أن يتخلفوا عني، والذي نفس محمد بيده، لوددت أني أغزو في سبيل الله فأقتل، ثم أغزو فأقتل، ثم أغزو فأقتل))؛ أخرجه مسلم.
53- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من مات ولم يغزُ، ولم يحدث به نفسه، مات على شعبة من نفاق))؛ أخرجه مسلم.
54- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يجتمع في النار مَن قتل كافرًا، ثم سدَّد بعده))؛ أخرجه أحمد وصححه الأرناؤوط.
55- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أيما قرية أتيتموها وأقمتم فيها، فسهمكم فيها، وأيما قرية عصت اللهَ ورسوله، فإن خُمسها لله ولرسوله، ثم هي لكم))؛ أخرجه مسلم.
56- عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: بينا نحن في المسجد إذ خرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ((انطلقوا إلى يهودَ))، فخرجنا معه حتى جئناهم، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فناداهم، فقال: ((يا معشر يهودَ، أسلموا تسلموا))، فقالوا: قد بلغت يا أبا القاسم، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ذلك أريد، أسلموا تسلموا))، فقالوا: قد بلغت يا أبا القاسم، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ذلك أريد))، فقال لهم الثالثة: فقال: ((اعلموا أنما الأرض لله ورسوله، وأني أريد أن أجليكم من هذه الأرض، فمن وجد منكم بماله شيئًا فليبعه، وإلا فاعلموا أن الأرض لله ورسوله))؛ متفق عليه.
57- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن يطع الأمير فقد أطاعني، ومن يعص الأمير فقد عصاني، وإنما الإمام جُنة يُقاتَل مِن ورائه ويتقى به، فإن أمر بتقوى الله وعدل، فإن له بذلك أجرًا، وإن قال بغيره فإن عليه منه))؛ متفق عليه واللفظ للبخاري.
سادسًا: أحاديث متنوعة:
58- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أصدَقُ كلمة قالها شاعر كلمة لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل، وكاد أمية بن أبي الصلت أن يسلم))؛ متفق عليه.
59- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما منكم من أحد إلا له منزلان: منزل في الجنة، ومنزل في النار، فإذا مات فدخل النارَ، ورِث أهلُ الجنة منزله، فذلك قوله تعالى: ﴿ أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ ﴾ [المؤمنون: 10]))؛ أخرجه ابن ماجه وصححه الألباني.
60- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يومًا يحدث وعنده رجل من أهل البادية: ((أن رجلاً من أهل الجنة استأذن ربه في الزرع، فقال له: ألستَ فيما شئت؟ قال: بلى، ولكني أحب أن أزرع، قال: فبذر، فبادر الطَّرْفَ نباتُه واستواؤه واستحصاده، فكان أمثال الجبال، فيقول الله: دونك يا ابن آدم، فإنه لا يشبعك شيء))، فقال الأعرابي: والله لا تجده إلا قرشيًّا أو أنصاريًا؛ فإنهم أصحاب زرع، وأما نحن فلسنا بأصحاب زرع، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم؛ أخرجه البخاري.
61- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن أبا هند حجم النبي صلى الله عليه وسلم في اليافوخ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((يا بني بياضة، أَنْكِحُوا أبا هندٍ وانكِحُوا إليه))؛ وقال: ((وإن كان في شيء مما تداوون به خير فالحجامة))؛ أخرجه أبو داود وصححه الألباني.
62- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا دخل أحدكم على أخيه المسلم فأطعمه طعامًا، فليأكل من طعامه، ولا يسأله عنه، وإن سقاه شرابًا من شرابه، فليشرب من شرابه ولا يسأله عنه))؛ أخرجه أحمد وصححه الألباني.
63- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((نِعْم القوم الأزدُ، طيبة أفواههم، بَرَّةٌ أيمانُهم، نقية قلوبهم))؛ أخرجه أحمد وحسنه الألباني والأرناؤوط.
64- عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسمي الأنثى من الخيل فرسًا)؛ أخرجه أبو داود وصححه الألباني.
65- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره الشكال من الخيل)؛ أخرجه مسلم، والشكال: فسَّره بعض الرواة أن يكون في رِجله اليمنى بياض وفي يده اليسرى، أو يده اليمنى ورجله اليسرى، وقال أبو عبيد وجمهور أهل اللغة والغريب: هو أن يكون منه ثلاث قوائم محجَّلة وواحدة مطلقة.
66- عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((يدخل الجنة أقوامٌ أفئدتُهم مثل أفئدة الطير))؛ أخرجه مسلم، والمعنى: مثلها في الرِّقة والضعف.
67- عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة، لا يزِنُ عند الله جَناح بعوضة، اقرؤوا: ﴿ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا ﴾ [الكهف: 105]))؛ متفق عليه.
68- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لما خلق الله الجنة قال لجبريل: اذهب فانظر إليها، فذهب فنظر إليها، ثم جاء، فقال: أي رب، وعزتك لا يسمع بها أحد إلا دخلها، ثم حفها بالمكاره، ثم قال: يا جبريل، اذهب فانظر إليها، فذهب فنظر إليها، ثم جاء فقال: أي رب، وعزتك لقد خشيت ألا يدخلها أحد، قال: فلما خلق الله النار قال: يا جبريل، اذهب فانظر إليها، فذهب فنظر إليها، ثم جاء فقال: أي رب، وعزتك لا يسمع بها أحد فيدخلها، فحفها بالشهوات، ثم قال: يا جبريل، اذهب فانظر إليها، فذهب فنظر إليها، ثم جاء فقال: أي رب، وعزتك لقد خشيت ألا يبقى أحد إلا دخلها))؛ أخرجه أبو داود وصححه الألباني.
سابعًا: أحاديث قصص الأنبياء:
69- عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لولا بنو إسرائيل، لم يخبُثِ الطعام، ولم يخنَزِ اللحم، ولولا حواء لم تخُنْ أنثى زوجها الدهر))؛ متفق عليه.
70- عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اختتن إبراهيم عليه السلام وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم))؛ متفق عليه.
71- عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((قال سليمان بن داود نبي الله: لأطوفن الليلة على تسعين امرأة، كلهن تأتي بغلام يقاتل في سبيل الله، فقال له صاحبه – أو الملَك -: قل: إن شاء الله، فلم يقل ونسي، فلم تأتِ واحدة من نسائه إلا واحدة جاءت بشق غلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ولو قال: إن شاء الله، لم يحنث، وكان دركًا له في حاجته))؛ متفق عليه.
72- عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((بينما امرأتان معهما ابناهما، جاء الذئب فذهب بابن إحداهما، فقالت هذه لصاحبتها: إنما ذهب بابنك أنت، وقالت الأخرى: إنما ذهب بابنك، فتحاكمتا إلى داود، فقضى به للكبرى، فخرجتا على سليمان بن داود عليهما السلام فأخبرتاه، فقال: ائتوني بالسكين أشقه بينكما، فقالت الصغرى: لا، يرحمك الله، هو ابنها، فقضى به للصغرى))، قال: قال أبو هريرة: (والله إن سمعتُ بالسِّكين قط إلا يومئذ، ما كنا نقول إلا المُدْية)؛ متفق عليه.
73- عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((بينا أيوب يغتسل عريانًا، فخر عليه جراد من ذهب، فجعل أيوب يحتثي في ثوبه، فناداه ربه: يا أيوب، ألم أكن أغنيتك عما ترى؟ قال: بلى وعزتك، ولكن لا غنى بي عن بركتك))؛ أخرجه البخاري.
74- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((كان زكريَّاء نجارًا))؛ أخرجه مسلم.
75- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((جاء ملك الموت إلى موسى عليه السلام فقال له: أجب ربك، قال: فلطم موسى عليه السلام عين ملك الموت ففقأها، قال: فرجع الملك إلى الله تعالى فقال: إنك أرسلتني إلى عبد لك لا يريد الموت، وقد فقأ عيني، قال: فرد الله إليه عينه وقال: ارجع إلى عبدي فقل: الحياةَ تريد؟ فإن كنت تريد الحياة فضع يدك على متن ثور، فما توارت يدك من شعرة، فإنك تعيش بها سنة، قال: ثم مَهْ؟ قال: ثم تموت، قال: فالآن من قريب، ربِّ أمتني من الأرض المقدسة رميةً بحجر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والله لو أني عنده لأريتكم قبره إلى جانب الطريق، عند الكثيب الأحمر))؛ متفق عليه.
76- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من مولود يولد إلا نخسه الشيطان، فيستهل صارخًا من نخسة الشيطان، إلا ابن مريم وأمه))؛ ثم قال أبو هريرة: اقرؤوا إن شئتم: ﴿ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ﴾ [آل عمران: 36]؛ متفق عليه.
77- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((رأى عيسى ابن مريم رجلاً يسرق، فقال له عيسى: سرقتَ؟ قال: كلا، والذي لا إله إلا هو، فقال عيسى: آمنت بالله وكذَّبت نفسي))؛ متفق عليه.
78- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((نزل نبي من الأنبياء تحت شجرة، فلدغته نملة، فأمر بجهازه فأخرج من تحتها، وأمر بها فأحرقت في النار، قال فأوحى الله إليه: فهلاَّ نملةً واحدة))؛ متفق عليه.
ثامنًا: أحاديث قصص الأمم السابقة:
79- عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن ثلاثة في بني إسرائيل: أبرص، وأقرع، وأعمى، فأراد الله أن يبتليهم، فبعث إليهم ملَكًا، فأتى الأبرص، فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: لون حسن، وجلد حسن، ويذهب عني الذي قد قذِرني الناس، قال: فمسحه فذهب عنه قذره، وأعطي لونًا حسنًا وجِلدًا حسنًا، قال: فأي المال أحب إليك؟ قال: الإبل – أو قال البقر، شك إسحاق – إلا أن الأبرص، أو الأقرع، قال أحدهما: الإبل، وقال الآخر: البقر، قال: فأعطي ناقة عُشَراء، فقال: بارك الله لك فيها، قال: فأتى الأقرع، فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: شعر حسن ويذهب عني هذا الذي قد قذِرني الناس، قال: فمسحه فذهب عنه، وأعطي شعرًا حسنًا، قال: فأي المال أحب إليك؟ قال: البقر، فأعطي بقرة حاملاً، فقال: بارك الله لك فيها، قال: فأتى الأعمى، فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: أن يرد الله إليَّ بصري فأُبصِر به الناس، قال: فمسحه فرد الله إليه بصره، قال: فأي المال أحب إليك؟ قال: الغنم، فأعطي شاة والدًا، فأنتج هذان، وولَّد هذا، قال: فكان لهذا واد من الإبل، ولهذا واد من البقر، ولهذا واد من الغنم، قال: ثم إنه أتى الأبرص في صورته وهيئته، فقال: رجل مسكين، قد انقطعت بي الحبال في سفري، فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك، أسألك بالذي أعطاك اللون الحسن، والجلد الحسن، والمال: بعيرًا أتبلغ عليه في سفري، فقال: الحقوق كثيرة، فقال له: كأني أعرفك، ألم تكن أبرص يقذرك الناس؟ فقيرًا فأعطاك الله؟ فقال: إنما ورثت هذا المال كابرًا عن كابر، فقال: إن كنت كاذبًا، فصيرك الله إلى ما كنت، قال: وأتى الأقرع في صورته، فقال له مثل ما قال لهذا، ورد عليه مثل ما رد على هذا، فقال: إن كنت كاذبًا فصيرك الله إلى ما كنت، قال: وأتى الأعمى في صورته وهيئته، فقال: رجل مسكين وابن سبيل، انقطعت بي الحبال في سفري، فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله، ثم بك، أسألك بالذي رد عليك بصرك شاةً أتبلغ بها في سفري، فقال: قد كنتُ أعمى فرد الله إلي بصري، فخذ ما شئت، ودع ما شئت، فوالله لا أجهدك اليوم شيئًا أخذته لله، فقال: أمسك مالك، فإنما ابتليتم، فقد رضي عنك وسخط على صاحبيك))؛ متفق عليه.
80- عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اشترى رجل من رجل عقارًا له، فوجد الرجل الذي اشترى العقار في عقاره جرة فيها ذهب، فقال له الذي اشترى العقار: خذ ذهبك مني، إنما اشتريت منك الأرض، ولم أبتَعْ منك الذهب، فقال الذي شرى الأرض: إنما بعتك الأرض وما فيها، قال: فتحاكما إلى رجل، فقال الذي تحاكما إليه: ألكما ولد؟ فقال أحدهما: لي غلام، وقال الآخر: لي جارية، قال: أنكحوا الغلام الجارية، وأنفِقوا على أنفسكما منه وتصدقا))؛ متفق عليه.
81- عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أنه ذكر رجلاً من بني إسرائيل، سأل بعض بني إسرائيل أن يسلفه ألف دينار، فقال: ائتني بالشهداء أشهدهم، فقال: كفى بالله شهيدًا، قال: فأتني بالكفيل، قال: كفى بالله كفيلاً، قال: صدقت، فدفعها إليه إلى أجل مسمى، فخرج في البحر فقضى حاجته، ثم التمس مركبًا يركبها يقدَمُ عليه للأجل الذي أجله، فلم يجد مركبًا، فأخذ خشبة فنقرها، فأدخل فيها ألف دينار وصحيفة منه إلى صاحبه، ثم زجَّج موضعها، ثم أتى بها إلى البحر، فقال: اللهم إنك تعلم أني كنت تسلفت فلانًا ألف دينار، فسألني كفيلاً، فقلت: كفى بالله كفيلاً، فرضي بك، وسألني شهيدًا، فقلت: كفى بالله شهيدًا، فرضي بك، وأني جهدت أن أجد مركبًا أبعث إليه الذي له فلم أقدر، وإني أستودعكها، فرمى بها في البحر حتى ولجت فيه، ثم انصرف وهو في ذلك يلتمس مركبًا يخرج إلى بلده، فخرج الرجل الذي كان أسلفه، ينظر لعل مركبًا قد جاء بماله، فإذا بالخشبة التي فيها المال، فأخذها لأهله حطبًا، فلما نشرها وجد المال والصحيفة، ثم قدم الذي كان أسلفه، فأتى بالألف دينار، فقال: والله ما زلت جاهدًا في طلب مركب لآتيك بمالك، فما وجدت مركبًا قبل الذي أتيت فيه، قال: هل كنت بعثت إلي بشيء؟ قال: أخبرك أني لم أجد مركبًا قبل الذي جئت فيه، قال: فإن الله قد أدى عنك الذي بعثت في الخشبة، فانصرف بالألف الدينار راشدًا))؛ أخرجه البخاري.
82- عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((خرج رجل يزور أخًا له في الله عز وجل في قرية أخرى، فأرصد الله عز وجل بمدرجته ملكًا، فلما مر به قال: أين تريد؟ قال: أريد فلانًا، قال: لقرابة؟ قال: لا، قال: فلنعمة له عندك ترُبُّها؟ قال: لا، قال: فلِمَ تأتيه؟ قال: إني أحبه في الله، قال: فإني رسول الله إليك، أنه يحبك بحبك إياه فيه))؛ أخرجه أحمد وصححه الأرناؤوط.
83- عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((بينما راع في غنمه عدا عليه الذئب، فأخذ منها شاة، فطلبه الراعي، فالتفت إليه الذئب فقال: من لها يوم السبع، يوم ليس لها راع غيري؟ وبينما رجل يسوق بقرة قد حمل عليها، فالتفتت إليه فكلمته، فقالت: إني لم أخلق لهذا، ولكني خلقت للحرث)) قال الناس: سبحان الله! قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((فإني أومن بذلك، وأبو بكر، وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما))؛ متفق عليه.
84- عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((قال رجل: لأتصدقن الليلة بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يد زانية، فأصبحوا يتحدثون: تُصدِّق الليلة على زانية، قال: اللهم لك الحمد على زانية، لأتصدقن بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يد غني، فأصبحوا يتحدثون: تصدق على غني، قال: اللهم لك الحمد على غني، لأتصدقن بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يد سارق، فأصبحوا يتحدثون: تصدق على سارق، فقال: اللهم لك الحمد على زانية، وعلى غني، وعلى سارق، فأتي فقيل له: أما صدقتك فقد قُبِلت، أما الزانية فلعلها تستعف بها عن زناها، ولعل الغني يعتبر فينفق مما أعطاه الله، ولعل السارق يستعف بها عن سرقته))؛ متفق عليه.
85- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((غزا نبي من الأنبياء، فقال لقومه: لا يتبعني رجل قد ملك بُضْعَ امرأة وهو يريد أن يبني بها ولما يَبْنِ، ولا آخر قد بنى بنيانًا، ولما يرفع سقفها، ولا آخر قد اشترى غنمًا – أو خلفات – وهو منتظر ولادها، قال: فغزا فأدنى للقرية حين صلاة العصر، أو قريبًا من ذلك، فقال للشمس: أنت مأمورة، وأنا مأمور، اللهم احبسها علي شيئًا، فحبست عليه حتى فتح الله عليه، قال: فجمعوا ما غنموا، فأقبلت النار لتأكله، فأبت أن تطعمه، فقال: فيكم غلول، فليبايعني من كل قبيلة رجل، فبايعوه، فلصقت يد رجل بيده، فقال: فيكم الغُلول، فلتبايعني قبيلتك، فبايعته، قال: فلصقت بيد رجلين أو ثلاثة، فقال: فيكم الغلول، أنتم غللتم، قال: فأخرجوا له مثل رأس بقرة من ذهب، قال: فوضعوه في المال وهو بالصعيد، فأقبلت النار فأكلته، فلم تحلَّ الغنائم لأحد من قبلنا؛ ذلك بأن الله تبارك وتعالى رأى ضعفنا وعجزنا، فطيبها لنا))؛ أخرجه البخاري ومسلم من طريق همام بن منبه عن أبي هريرة رضي الله عنه، ورواه أحمد بسند صحيح مختصرًا من طريق محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الشمس لم تحبس على بشر إلا ليوشع ليالي سار إلى بيت المقدس)).
86- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش، فوجد بئرًا، فنزل فيها فشرب، ثم خرج فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل لقد بلغ هذا الكلبَ من العطش مثلُ الذي كان بلغ مني، فنزل البئر فملأ خفه ماء، ثم أمسكه بفيه حتى رقي، فسقى الكلب، فشكر الله له فغفر له))، قالوا: يا رسول الله، وإن لنا في هذه البهائم لأجرًا؟ فقال: ((في كل كبد رطبة أجر))؛ متفق عليه.
تاسعًا: أحاديث الشمائل والسيرة النبوية:
87- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (ما عاب رسول الله صلى الله عليه وسلم طعامًا قط، كان إذا اشتهى شيئًا أكله، وإن كرهه تركه)؛ متفق عليه.
88- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم، في الأولى والآخرة))، قالوا: كيف يا رسول الله؟ قال: ((الأنبياء إخوة من علات، وأمهاتهم شتى، ودينهم واحد، فليس بيننا نبي))؛ متفق عليه، واللفظ لمسلم.
89- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اللهم اجعل رزق آل محمد قوتًا))؛ متفق عليه.
90- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من الأنبياء من نبي إلا قد أعطي من الآيات ما مِثلُه آمَن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيت وحيًا أوحى الله إليَّ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعًا يوم القيامة))؛ متفق عليه.
91- عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا تعجبون كيف يصرف الله عني شتم قريش ولعنهم؟! يشتمون مُذَمَّمًا، ويلعنون مُذَمَّمًا، وأنا محمد))؛ أخرجه البخاري.
92- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لو تابعني عشَرة من اليهود، لم يبقَ على ظهرها يهودي إلا أسلم))؛ متفق عليه.
93- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن عمرو بن أقيش، كان له ربًا في الجاهلية، فكره أن يسلم حتى يأخذه، فجاء يوم أُحُد، فقال: أين بنو عمي؟ قالوا: بأُحُد، قال: أين فلان؟ قالوا: بأُحُد، قال: فأين فلان؟ قالوا: بأُحُد، فلبس لَأْمَتَه وركب فرسه، ثم توجه قِبلهم، فلما رآه المسلمون، قالوا: إليك عنا يا عمرو، قال: إني قد آمنت، فقاتل حتى جُرح، فحمل إلى أهله جريحًا، فجاءه سعد بن معاذ، فقال لأخته: سليه: حميةً لقومك أو غضبًا لهم أم غضبًا لله؟ فقال: بل غضبًا لله ولرسوله، فمات فدخل الجنة، وما صلى لله صلاة))؛ أخرجه أبو داود وحسنه الألباني.
94- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قدم الطفيل وأصحابه فقالوا: يا رسول الله، إن دوسًا قد كفرت وأبت، فادع الله عليها، فقيل: هلكت دوسٌ! فقال: ((اللهم اهد دوسًا وائت بهم))؛ متفق عليه.
95- عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة رهط سرية عينًا، وأمَّر عليهم عاصم بن ثابت الأنصاري، فانطلقوا حتى إذا كانوا بالهدأة، وهو بين عسفان ومكة، ذُكروا لحي من هذيل، يقال لهم: بنو لحيان، فنفروا لهم قريبًا من مائتي رجل كلهم رامٍ، فاقتصوا آثارهم حتى وجدوا مأكلهم تمرًا تزودوه من المدينة، فقالوا: هذا تمر يثرب، فاقتصوا آثارهم، فلما رآهم عاصم وأصحابه لجؤوا إلى فدفد وأحاط بهم القوم، فقالوا لهم: انزلوا وأعطونا بأيديكم، ولكم العهد والميثاق، ولا نقتل منكم أحدًا، قال عاصم بن ثابت أمير السرية: أما أنا فوالله لا أنزل اليوم في ذمة كافر، اللهم أخبر عنا نبيك، فرموهم بالنبل فقتلوا عاصمًا في سبعة، فنزل إليهم ثلاثة رهط بالعهد والميثاق، منهم: خبيب الأنصاري، وابن دثنة، ورجل آخر، فلما استمكنوا منهم أطلقوا أوتار قسيهم فأوثقوهم، فقال الرجل الثالث: هذا أول الغدر، والله لا أصحبكم، إن لي في هؤلاء لأسوة، يريد القتلى، فجرروه وعالجوه على أن يصحبهم فأبى، فقتلوه، فانطلقوا بخبيب وابن دثنة حتى باعوهما بمكة بعد وقعة بدر، فابتاع خبيبًا بنو الحارث بن عامر بن نوفل بن عبدمناف، وكان خبيب هو قتل الحارث بن عامر يوم بدر، فلبث خبيب عندهم أسيرًا، فأخبرني عبيدالله بن عياض، أن بنت الحارث أخبرته: أنهم حين اجتمعوا استعار منها موسى يستحد بها، فأعارته، فأخذ ابنًا لي وأنا غافلة حين أتاه قالت: فوجدته مجلسه على فخذه والموسى بيده، ففزعت فزعة عرفها خبيب في وجهي، فقال: تخشين أن أقتله؟ ما كنت لأفعل ذلك، والله ما رأيت أسيرًا قط خيرًا من خبيب، والله لقد وجدته يومًا يأكل من قطف عنب في يده، وإنه لموثق في الحديد، وما بمكة من ثمر، وكانت تقول: إنه لرزق من الله رزقه خبيبًا، فلما خرجوا من الحرم ليقتلوه في الحل، قال لهم خبيب: ذروني أركع ركعتين، فتركوه، فركع ركعتين، ثم قال: لولا أن تظنوا أن ما بي جزع لطولتها، اللهم أحصهم عددًا..
ولست أُبالي حين أُقتل مسلمًا
على أيِّ شِق كان لله مصرعي
وذلك في ذات الإله وإن يشأ
يبارك على أوصال شِلو ممزع
|
فقتله ابن الحارث، فكان خبيب هو سن الركعتين لكل امرئ مسلم قتل صبرًا، فاستجاب الله لعاصم بن ثابت يوم أصيب، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه خبرهم، وما أصيبوا، وبعث ناس من كفار قريش إلى عاصم حين حدثوا أنه قتل، ليؤتوا بشيء منه يعرف، وكان قد قتل رجلاً من عظمائهم يوم بدر، فبعث على عاصم مثل الظلة من الدبر، فحمته من رسولهم، فلم يقدروا على أن يقطع من لحمه شيئا)؛ أخرجه البخاري.
96- عن عبدالله بن رباح الأنصاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ألا أعلمكم بحديث من حديثكم يا معشر الأنصار؟ ثم ذكر فتح مكة فقال: أقبل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حتى قدم مكة، فبعث الزبير على إحدى المجنبتين، وبعث خالدًا على المجنبة الأخرى، وبعث أبا عبيدة على الحسر، فأخذوا بطن الوادي، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في كتيبة، قال: فنظر فرآني، فقال أبو هريرة: قلت: لبيك يا رسول الله، فقال: ((لا يأتيني إلا أنصاري)) – زاد غير شيبان -، فقال: ((اهتف لي بالأنصار))، قال: فأطافوا به، ووبشت قريش أوباشًا لها وأتباعًا، فقالوا: نقدم هؤلاء، فإن كان لهم شيء كنا معهم، وإن أصيبوا أعطينا الذي سئلنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ترون إلى أوباش قريش وأتباعهم))، ثم قال بيديه إحداهما على الأخرى، ثم قال: ((حتى توافوني بالصفا))، قال: فانطلقنا فما شاء أحد منا أن يقتل أحدًا إلا قتله، وما أحد منهم يوجه إلينا شيئًا، قال: فجاء أبو سفيان، فقال: يا رسول الله، أبيحت خضراء قريش، لا قريش بعد اليوم، ثم قال: ((من دخل دار أبي سفيان فهو آمن))، فقالت الأنصار بعضهم لبعض: أما الرجل فأدركته رغبة في قريته، ورأفة بعشيرته، قال أبو هريرة: وجاء الوحي، وكان إذا جاء الوحي لا يخفى علينا، فإذا جاء فليس أحد يرفع طرفه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ينقضي الوحي، فلما انقضى الوحي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا معشر الأنصار))، قالوا: لبيك يا رسول الله، قال: ((قلتم: أما الرجل فأدركته رغبة في قريته؟))، قالوا: قد كان ذاك، قال: ((كلا، إني عبدالله ورسوله، هاجرت إلى الله وإليكم، والمحيا محياكم، والممات مماتكم))، فأقبلوا إليه يبكون ويقولون: والله، ما قلنا الذي قلنا إلا الضن بالله وبرسوله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله ورسوله يصدقانكم ويعذِرانكم))، قال: فأقبل الناس إلى دار أبي سفيان، وأغلق الناس أبوابهم، قال: وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أقبل إلى الحجَر، فاستلمه ثم طاف بالبيت، قال: فأتى على صنم إلى جنب البيت كانوا يعبدونه، قال: وفي يد رسول الله صلى الله عليه وسلم قوس، وهو آخذ بسِيَة القوس، فلما أتى على الصنم جعل يطعُنُه في عينه، ويقول: ﴿ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ ﴾ [الإسراء: 81]، فلما فرغ من طوافه أتى الصفا، فعلا عليه حتى نظر إلى البيت، ورفع يديه فجعل يحمد الله ويدعو بما شاء أن يدعو؛ أخرجه مسلم.
عاشرًا: أحاديث خاصة بأبي هريرة رضي الله عنه:
97- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (لقد رأيت سبعين من أصحاب الصفَّة ما منهم رجل عليه رداء، إما إزار وإما كساء، قد ربطوا في أعناقهم، فمنها ما يبلغ نصف الساقين، ومنها ما يبلغ الكعبين، فيجمعه بيده، كراهية أن ترى عورته)؛ أخرجه البخاري.
98- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم يومًا بتمرات، فقلت: ادع الله لي فيهن بالبركة، قال: فصفهن بين يديه، قال: ثم دعا، فقال لي: ((اجعلهن في مزود، فأدخل يدك، ولا تنثره))، قال: “فحملت منه كذا وكذا وسقًا في سبيل الله، ونأكل، ونطعم، وكان لا يفارق حقوي، فلما قتل عثمان رضي الله عنه، انقطع عن حقوي، فسقط”؛ أخرجه أحمد والترمذي وحسنه الأرناؤوط والألباني.
99- عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: وكَّلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان، فأتاني آتٍ فجعل يحثو من الطعام فأخذته، وقلت: والله لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: إني محتاج، وعلي عيال، ولي حاجة شديدة، قال: فخليت عنه، فأصبحت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((يا أبا هريرة، ما فعل أسيرك البارحة؟))، قال: قلت: يا رسول الله، شكا حاجة شديدة وعيالاً، فرحمته، فخليت سبيله، قال: ((أما إنه قد كذَبك، وسيعود))، فعرفت أنه سيعود، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه سيعود، فرصدته، فجاء يحثو من الطعام، فأخذته، فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: دعني؛ فإني محتاج وعلي عيال، لا أعود، فرحمته، فخليت سبيله، فأصبحت، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا أبا هريرة، ما فعل أسيرك؟))، قلت: يا رسول الله، شكا حاجة شديدة وعيالاً، فرحمته، فخليت سبيله، قال: ((أما إنه قد كذبك وسيعود))، فرصدته الثالثة، فجاء يحثو من الطعام، فأخذته، فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله، وهذا آخر ثلاث مرات، أنك تزعم لا تعود، ثم تعود، قال: دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بها، قلت: ما هو؟ قال: إذا أويتَ إلى فراشك، فاقرأ آية الكرسي: ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ﴾ [البقرة: 255]، حتى تختم الآية، فإنك لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربنك شيطان حتى تصبح، فخليت سبيله، فأصبحت فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما فعل أسيرك البارحة؟))، قلت: يا رسول الله، زعم أنه يعلمني كلمات ينفعني الله بها، فخليت سبيله، قال: ((ما هي؟))، قلت: قال لي: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم الآية: ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ﴾ [البقرة: 255]، وقال لي: لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح – وكانوا أحرص شيء على الخير – فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أما إنه قد صدَقك وهو كذوب، تعلم من تخاطب منذ ثلاث ليال يا أبا هريرة؟))، قال: لا، قال: ((ذاك شيطان))؛ أخرجه البخاري في صحيحه معلقًا، والنسائي في السنن الكبرى، وابن خزيمة في صحيحه واستغربه.
حادي عشر: أحاديث الفتن وعلامات الساعة:
100- عن موسى بن عقبة قال: حدثني جدي أبو أمي أبو حبيبة أنه دخل الدار وعثمان محصور فيها، وأنه سمع أبا هريرة يستأذن عثمان في الكلام، فأذن له، فقام فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: ((إنكم تلقون بعدي فتنة واختلافًا))، أو قال: ((اختلافًا وفتنة))، فقال له قائل من الناس: فمن لنا يا رسول الله؟ قال: ((عليكم بالأمين وأصحابه))، وهو يشير إلى عثمان بذلك؛ أخرجه أحمد وحسنه ابن كثير والأرناؤوط والألباني.
101- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق أو بدابق، فيخرج إليهم جيش من المدينة، من خيار أهل الأرض يومئذ، فإذا تصافُّوا، قالت الروم: خلوا بيننا وبين الذين سبوا منا نقاتلهم، فيقول المسلمون: لا، والله لا نخلي بينكم وبين إخواننا، فيقاتلونهم، فينهزم ثلث لا يتوب الله عليهم أبدًا، ويقتل ثلثهم، أفضل الشهداء عند الله، ويفتتح الثلث، لا يفتنون أبدًا، فيفتتحون قسطنطينية، فبينما هم يقتسمون الغنائم، قد علقوا سيوفهم بالزيتون، إذ صاح فيهم الشيطان: إن المسيح قد خلفكم في أهليكم، فيخرجون، وذلك باطل، فإذا جاؤوا الشأم خرج، فبينما هم يعدون للقتال، يسوون الصفوف، إذ أقيمت الصلاة، فينزل عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم، فأمهم، فإذا رآه عدو الله، ذاب كما يذوب الملح في الماء، فلو تركه لانذاب حتى يهلك، ولكن يقتله الله بيده، فيريهم دمه في حربته))؛ أخرجه مسلم.
102- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((سمعتم بمدينة جانب منها في البر وجانب منها في البحر؟))؛ قالوا: نعم، يا رسول الله، قال: ((لا تقوم الساعة حتى يغزوها سبعون ألفًا من بني إسحاق، فإذا جاؤوها نزلوا، فلم يقاتلوا بسلاح ولم يرموا بسهم، قالوا: لا إله إلا الله والله أكبر، فيسقط أحد جانبيها الذي في البحر، ثم يقولوا الثانية: لا إله إلا الله والله أكبر، فيسقط جانبها الآخر، ثم يقولوا الثالثة: لا إله إلا الله والله أكبر، فيفرج لهم، فيدخلوها فيغنموا، فبينما هم يقتسمون المغانم، إذ جاءهم الصريخ، فقال: إن الدجال قد خرج، فيتركون كل شيء ويرجعون))؛ أخرجه مسلم.
103- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول: يا ليتني مكانه))؛ متفق عليه.
104- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تقوم الساعة حتى يمطر الناس مطرًا لا تكن منه بيوت المدر، ولا تكن منه إلا بيوت الشعر))؛ أخرجه أحمد وصححه الألباني.
105- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تقوم الساعة حتى يكثر المال ويفيض، حتى يخرج الرجل بزكاة ماله فلا يجد أحدًا يقبلها منه، وحتى تعود أرض العرب مروجًا وأنهارًا))؛ أخرجه مسلم، وزاد أحمد في روايته: ((وحتى يسير الراكب بين العراق ومكة، لا يخاف إلا ضَلال الطريق))؛ وصحح إسناده الأرناؤوط في تخريج مسند أحمد (14/ 427).
106- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تبلغ المساكن إهاب – أو يهاب -))؛ أخرجه مسلم، وهذا اسم موضع بقرب المدينة، والمعنى: أن المدينة تتوسَّع جدًّا حتى تصل مساكنها إلى ذلك الموضع، قال العلماء: وبلوغ المساكن إلى هذا الموضع معجزةٌ له صلى الله عليه وسلم، وقعت في زمان بني أمية.
107- عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((ليأتين على الناس زمان، لا يبالي المرء بما أخذ المال، أمن حلال أم من حرام))؛ أخرجه البخاري.
108- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت الصادق المصدوق يقول: ((هلاك أمتي على يدي غلمة من قريش))؛ أخرجه البخاري.
109- عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بينا أنا نائم أتيت بخزائن الأرض، فوضع في كفي سواران من ذهب، فكبُرا عليَّ، فأوحى الله إليَّ أنِ انفخهما، فنفختهما فذهبا، فأوَّلتهما الكذَّابينِ اللذين أنا بينهما، صاحب صنعاء، وصاحب اليمامة))؛ متفق عليه، وفي رواية لمسلم: ((فكان أحدهما العنسي صاحب صنعاء، والآخر مسيلمة صاحب اليمامة)).
110- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم في مجلس يحدث القوم، جاءه أعرابي فقال: متى الساعة؟ فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث، فقال بعض القوم: سمع ما قال فكره ما قال، وقال بعضهم: بل لم يسمع، حتى إذا قضى حديثه قال: ((أين – أراه – السائل عن الساعة؟))، قال: ها أنا يا رسول الله، قال: ((فإذا ضُيِّعت الأمانة فانتظر الساعة))، قال: كيف إضاعتها؟ قال: ((إذا وسد الأمر إلى غير أهله، فانتظر الساعة))؛ أخرجه البخاري.
انتهى الكتاب بحمد الله وحده، والله أعلم