ابن جرير الطبري
وُلِد الطبري في مدينة آمل بطبرستان، وحفظ القرآن الكريم في سن مبكّرة حتى إنّه كان يصلي بالناس وهو في الثامنة من عمره، وتمتّعه بالقدرة على الحفظ سهّل له الجمع بين العديد من العلوم ومعرفة شواهدها وأدلّتها، وكان تقيّاً وورعاً وواحداً من أهم علماء وأئمة أهل السنة والجماعة، وقد ترك العديد من المؤلفات منها أكبر كتابين وُضِعا في التفسير والتاريخ، وهما تفسير الطبري المسمّى بجامع البيان، وتاريخه المسمى تاريخ الأمم والملوك أو تاريخ الرسل والملوك، ويُعدان مصدرين أساسيّين لكل من دارسي التاريخ والفقه، وقد توفّي الطبري عن عمر يناهز الخمسة والثمانين عاماً.
تاريخ الأمم والملوك أهميّة الكتاب
تاريخ الطبري يُعدّ مصدراً أساسيّاً لكل باحثي التاريخ الإسلامي، ذلك لأنّه العمل الأكثر دقة ومنهجيّة بين الأعمال العربية في التاريخ، وقد اتبع الطبري منهجاً شاملاً في كتابة تاريخ الأمم والملوك أقرب إلى المنهج المستخدم في علم الحديث، فبلغت الرواية فيه حداً كبيراً من الأمانة، ولم يقتصر الطبري على التأريخ منذ نشأة الإسلام بل اتجه إلى أبعد من ذلك، وبدأ تاريخه منذ نشأة الخلق، معتمداً في ذلك على الكتابات التي سبقته لمؤرّخين مثل البلاذري، واليعقوبي، والواقدي، وأصبح مرشداً لمن جاء بعده من مؤرّخين عرب كبار كابن خلدون، وابن الأثير، والمسعودي.
تقسيم الكتاب
بدأ الطبري كتابه بحمد الله والثناء عليه والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم تحدث عن الأسباب التي دفعته إلى وضع هذا المؤلَّف كعادة المفكرين العرب في ذلك الزمان، وبدأ القسم الأول من الكتاب بذكر أول الزمان والأدلة التي تشير إلى حدوثه، ثمّ قصة الخلق إلى خلق آدم عليه السلام، ومن بعده ذكر الأنبياء والرسل مع التعرّض للحوادث التي وقعت في أزمانهم، ومقارنة تلك الحوادث من مصادرها المختلفة بما ورد في القرآن الكريم، وذكر أخبار الملوك الذن عاصروا أولئك الأنبياء والأمم حتى بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم. القسم الثاني من الكتاب، والذي يعد القسم الإسلامي، فيبدأ بتاريخ هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وحتى عام ثلاثمئة واثنين للهجرة، واعتمد على التقسيم السنويّ، بذكر العام وأشهر أيامه وأهم الأحداث التي وقعت فيه، وقد استطاع الطبري أن يجمع بين المواد المتفرّقة بين كتب الحديث والتفاسير المختلفة والأدب والسير والمغازي، وعبر التنسيق بينها أوجد رواية تاريخيّة جديدة موضع ثقة من القارئ بالإضافة إلى العرض الشيق منه.
أسلوب الكتابة
اعتمد الطبري على أسلوب المحدّثين في تاريخ الأمم والملوك، حيث كان يروي الأحدث التاريخيّة، ويتبعها بالسند بطريقة العنعنة حتى تصل إلى الصحابة، ولا يبدي رأيه في ما نقله مقدِّماً صفة الموضوعيّة في كتابة التاريخ، وذلك في معظم أجزاء الكتاب.
أضغط هنا لتحميل الكتاب بصيغة PDF
الإمام، صاحب التصانيف المشهورة.
استوطن بغداد، وأقام بها إلى حين وفاته.
وكان قد رحل في طلب الحديث، وسمع بالعراق والشام ومصر من خلق كثير وحدث بأكثر مصنفاته.
واتفق أنه جمعت الرحلة إلى مصر بين محمد بن جرير الطبري، ومحمد بن إسحاق بن خزيمة، ومحمد بن نصر المروزيّ، ومحمد بن هارون الرّوياني فأرملوا ولم يبق عندهم ما يقوتهم، وأضرّ بهم الجوع، فاجتمعوا ليلة في منزل كانوا يأتون إليه، فاتفق رأيهم على أن يستهموا ويضربوا القرعة، فمن خرجت عليه سأل لأصحابه الطعام، فخرجت القرعة على محمد بن إسحاق- ابن خزيمة، فقال لأصحابه: أمهلوني حتى أتوضأ وأصلي صلاة الخيرة، واندفع في الصلاة فإذا هم بالشموع وخصيّ من قبل والي مصر يدق الباب، ففتحوا فنزل عن دابته وقال: أيكم محمد بن نصر؟ فقيل: هو، ذا، فأخرج صرّة فيها خمسون دينارا فدفعها إليه، وقال: أيكم محمد بن هارون؟ فقالوا:
هو ذا. فأخرج صرة فيها خمسون دينارا فدفعها إليه، وقال: أيكم محمد بن جرير؟ فقيل: هو، ذا. فأخرج صرّة فيها خمسون دينارا فدفعها إليه ثم قال:
أيكم محمد بن إسحاق ابن خزيمة؟ فقالوا: هو، ذا يصلي، فلما فرغ دفع إليه صرة فيها خمسون دينارا، ثم قال: إن الأمير كان قائلا فرأى في المنام خيالا. قال: إن المحامد طووا كشحهم جياعا، فأنفذ إليكم هذه الصرر، وأقسم عليكم إذا نفدت فابعثوا إليّ أمدّكم.
قال أبو سعيد بن يونس: كان فقيها، قدم إلى مصر قديما سنة ثلاث وستين ومائتين. وكتب بها، ورجع إلى بغداد، وصنف تصانيف حسنة تدل على سعة علمه.
وقال الخطيب أبو بكر: أحد أئمة العلماء، يحكم بقوله، ويرجع إلى رأيه، لمعرفته وفضله، وكان قد جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره، وكان حافظا لكتاب الله، عارفا بالقراءات بصيرا بالمعاني، فقيها في أحكام القرآن عالما بالسنن وطرقها، وصحيحها وسقيمها، وناسخها ومنسوخها، عارفا بأقوال الصحابة والتابعين، ومن بعدهم من المخالفين في الأحكام، ومسائل الحلال والحرام، عارفا بأيام الناس وأخبارهم، وله الكتاب المشهور في «تاريخ الأمم والملوك» وكتاب «التفسير» الذي لم يصنّف أحد مثله، وكتاب «تهذيب الآثار» لم أر سواه في معناه، إلا أنه لم يتمّه، وكتاب حسن في القراءات سماه «الجامع» وله في أصول الفقه وفروعه كتب كثيرة، واختيار من أقاويل الفقهاء وتفرّد بمسائل حفظت عنه.
وسمعت علي بن عبيد الله بن عبد الغفار اللغوي، يحكي أن محمد بن جرير مكث أربعين سنة، يكتب في كل منها أربعين ورقة.
وقال ابن خزيمة وقد نظر تفسير محمد بن جرير: قد نظرت فيه من أوله إلى آخره، وما أعلم على أديم الأرض أعلم من محمد بن جرير.
وقال أبو محمد عبد الله بن أحمد الفرغانيّ في «تاريخه» فتمّ من كتب يعني محمد بن جرير كتاب «تفسير القرآن» وجوّده، وبين فيه أحكامه، وناسخه ومنسوخه، ومشكله وغريبه، ومعانيه، واختلاف أهل التأويل والعلماء في أحكامه وتأويله، والصحيح لديه من ذلك، وإعراب حروفه، والكلام على الملحدين فيه، والقصص وأخبار الأمة، والقيامة، وغير ذلك مما حواه من الحكم والعجائب، كلمة كلمة، وآية آية، من الاستعاذة وإلى أبي جاد، فلو ادعى عالم أن يصنف منه عشرة كتب كل كتاب منها يحتوي على علم مفرد عجيب مستقصى لفعل.
وكان ممّن لا تأخذه في دين الله لومة لائم، وحكي أنه استخار الله وسأله الإعانة على تصنيف التفسير ثلاث سنين فأعانه، وروى القاضي أبو عبد الله محمد بن سلامة بن جعفر القضاعي قال: أنبأنا علي بن نصر بن الصباح التغلبي، أنبأنا القاضي أبو عمر عبيد الله بن أحمد السمسار، وأبو القاسم بن عقيل الورّاق، أن أبا جعفر قال لأصحابه: أتنشطون لتفسير القرآن؟ قالوا: كم يكون قدره؟ فقال: ثلاثون ألف ورقة، فقالوا: هذا مما يفني الأعمار قبل تمامه. فاختصره في نحو ثلاثة آلاف ورقة.
ثم قال: هل تنشطون لتاريخ العالم، إلى وقتنا هذا؟ قالوا كم قدره؟
فذكر نحوا ممّا ذكره في التفسير [فأجابوا بمثل ذلك، فقال: إنا لله، ماتت الهمم. فاختصره في نحو ما اختصر التفسير] وقال أبو بكر الخطيب: عن القاضي ابن كامل: أربعة كنت أحبّ بقاءهم، أبو جعفر الطبري، والبربري، وأبو عبد الله بن أبي خيثمة، والمعمري، فما رأيت أفهم منهم ولا أحفظ.
ومولد أبي جعفر بآمل في سنة أربع وعشرين ومائتين، ووفاته ببغداد في يوم السبت، ودفن يوم الأحد بالغداة في داره لأربع بقين من شوال سنة عشر وثلاثمائة، وقيل توفي في عشية يوم الأحد ليومين بقيا من شوال ودفن يوم الاثنين، واجتمع في جنازته خلق لا يحصون، وصلّي على قبره عدة شهور ليلا ونهارا، وكان السواد في رأسه ولحيته كثيرا، وكان أسمر إلى الأدمة، أعين، نحيف الجسم، مديد القامة، فصيح اللسان، ورثاه خلق كثير من أهل الدّين والأدب. وقيل إنه دفن في سفح المقطم من القرافة، وهذا ليس بصحيح.
هذا الكتاب مادة غنية ومتشعبة ويمتاز بكثيرة الروايات وتعددها
المؤرخ بارز من أعظم نتاج القرن الثالث الهجري، محمد بن جرير الطبري صاحب تاريخ الرسل والملوك ويعرف كذلك بتاريخ الأمم والملوك / كتابه موضوع كل مواد التاريخ الإسلامي حتى قبل سنوات وفاته (310هـ) يعتبر كتابه كأول مصدر تاريخي شامل
عني الطبري بالإسناد وأهتمامه كان لخلفيته الدينية القادم منها كمفسر للقرآن ورجل حاول جاهدًا أن يكون إمام مذهب يحمل أطروحاته الدينية، وعن دراسته الدينية يأتي إهتمامه بالسند والمتن جعله يطرح لنا الحدث الواحد بعدة روايات مما جعل هذه التعددية مكان صدى وهوى عند بعض الفئات حسب ما يناسبها. أي أن هذا ساهـم – فيما بعد – عند البعض في توظيف روايات تلائم وجهات نظرهم
. غير أن ثمة نقد موجهه ضد مؤرخنا الطبري فيما يخصه منهجية كتاباته في عدم نقده للرواية التاريخية رغـم محاولاته الـجادة في تبني حيادية لم يسبق لها من قبل ولم يتمسك بها من جاء بعدة من المؤرخين، ورغم هذه المنهجية التي – على ما يبدو – راعى فيها الطبري الأمانة إلا أنه أرهق المؤرخين المتأخرين والباحثين في تنقية الروايات ما بين الموثوق وغير الموثوق بها.