تفسير الطبري سورة النازعات

تفسير الطبري سورة النازعات

سورة النازعات مكتوبة كاملة بالتشكيل

بسم الله الرحمن الرحيم

وَٱلنَّٰزِعَٰتِ غَرۡقٗا  وَٱلنَّٰشِطَٰتِ نَشۡطٗا  وَٱلسَّٰبِحَٰتِ سَبۡحٗا  فَٱلسَّٰبِقَٰتِ سَبۡقٗا  فَٱلۡمُدَبِّرَٰتِ أَمۡرٗا  يَوۡمَ تَرۡجُفُ ٱلرَّاجِفَةُ  تَتۡبَعُهَا ٱلرَّادِفَةُ  قُلُوبٞ يَوۡمَئِذٖ وَاجِفَةٌ  أَبۡصَٰرُهَا خَٰشِعَةٞ  يَقُولُونَ أَءِنَّا لَمَرۡدُودُونَ فِي ٱلۡحَافِرَةِ  أَءِذَا كُنَّا عِظَٰمٗا نَّخِرَةٗ  قَالُواْ تِلۡكَ إِذٗا كَرَّةٌ خَاسِرَةٞ  فَإِنَّمَا هِيَ زَجۡرَةٞ وَٰحِدَةٞ  فَإِذَا هُم بِٱلسَّاهِرَةِ  هَلۡ أَتَىٰكَ حَدِيثُ مُوسَىٰٓ  إِذۡ نَادَىٰهُ رَبُّهُۥ بِٱلۡوَادِ ٱلۡمُقَدَّسِ طُوًى  ٱذۡهَبۡ إِلَىٰ فِرۡعَوۡنَ إِنَّهُۥ طَغَىٰ  فَقُلۡ هَل لَّكَ إِلَىٰٓ أَن تَزَكَّىٰ  وَأَهۡدِيَكَ إِلَىٰ رَبِّكَ فَتَخۡشَىٰ  فَأَرَىٰهُ ٱلۡأٓيَةَ ٱلۡكُبۡرَىٰ  فَكَذَّبَ وَعَصَىٰ  ثُمَّ أَدۡبَرَ يَسۡعَىٰ  فَحَشَرَ فَنَادَىٰ  فَقَالَ أَنَا۠ رَبُّكُمُ ٱلۡأَعۡلَىٰ  فَأَخَذَهُ ٱللَّهُ نَكَالَ ٱلۡأٓخِرَةِ وَٱلۡأُولَىٰٓ  إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبۡرَةٗ لِّمَن يَخۡشَىٰٓ  ءَأَنتُمۡ أَشَدُّ خَلۡقًا أَمِ ٱلسَّمَآءُۚ بَنَىٰهَا  رَفَعَ سَمۡكَهَا فَسَوَّىٰهَا  وَأَغۡطَشَ لَيۡلَهَا وَأَخۡرَجَ ضُحَىٰهَا  وَٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ ذَٰلِكَ دَحَىٰهَآ  أَخۡرَجَ مِنۡهَا مَآءَهَا وَمَرۡعَىٰهَا  وَٱلۡجِبَالَ أَرۡسَىٰهَا  مَتَٰعٗا لَّكُمۡ وَ لِأَنۡعَٰمِكُمۡ  فَإِذَا جَآءَتِ ٱلطَّآمَّةُ ٱلۡكُبۡرَىٰ  يَوۡمَ يَتَذَكَّرُ ٱلۡإِنسَٰنُ مَا سَعَىٰ  وَبُرِّزَتِ ٱلۡجَحِيمُ لِمَن يَرَىٰ  فَأَمَّا مَن طَغَىٰ  وَءَاثَرَ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا  فَإِنَّ ٱلۡجَحِيمَ هِيَ ٱلۡمَأۡوَىٰ  وَأَمَّا مَنۡ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِۦ وَنَهَى ٱلنَّفۡسَ عَنِ ٱلۡهَوَىٰ  فَإِنَّ ٱلۡجَنَّةَ هِيَ ٱلۡمَأۡوَىٰ  يَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرۡسَىٰهَا  فِيمَ أَنتَ مِن ذِكۡرَىٰهَآ  إِلَىٰ رَبِّكَ مُنتَهَىٰهَآ  إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخۡشَىٰهَا  كَأَنَّهُمۡ يَوۡمَ يَرَوۡنَهَا لَمۡ يَلۡبَثُوٓاْ إِلَّا عَشِيَّةً أَوۡ ضُحَىٰهَا 

 

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

القول في تأويل قوله تعالى : ( والنازعات غرقا ( 1 ) والناشطات نشطا ( 2 ) والسابحات سبحا ( 3 ) فالسابقات سبقا ( 4 ) فالمدبرات أمرا ( 5 ) يوم ترجف الراجفة ( 6 ) تتبعها الرادفة ( 7 ) قلوب يومئذ واجفة ( 8 ) أبصارها خاشعة ( 9 ) ) .

أقسم ربنا جل جلاله بالنازعات ، واختلف أهل التأويل فيها ، وما هي ، وما تنزع ؟ فقال بعضهم : هم الملائكة التي تنزع نفوس بني آدم ، والمنزوع نفوس الآدميين .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل ، قال : ثنا النضر بن شميل ، قال : أخبرنا شعبة ، عن سليمان ، قال : سمعت أبا الضحى ، عن مسروق ، عن عبد الله ( والنازعات غرقا ) قال : الملائكة .

حدثني أبو السائب ، قال : ثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن مسلم ، عن مسروق أنه كان يقول في النازعات : هي الملائكة .

حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا يوسف بن يعقوب ، قال : ثنا شعبة ، عن السدي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس في النازعات قال : حين تنزع نفسه .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( والنازعات غرقا ) قال : تنزع الأنفس .

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن يمان ، عن أشعث ، عن جعفر ، عن سعيد ، في قوله : ( والنازعات غرقا ) قال : نزعت أرواحهم ، ثم غرقت ، ثم قذف بها في النار .

وقال آخرون : بل هو الموت ينزع النفوس . [ ص: 186 ]

ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( والنازعات غرقا ) قال : الموت .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن عبد الله بن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

وقال آخرون : هي النجوم تنزع من أفق إلى أفق .

حدثنا الفضل بن إسحاق ، قال : ثنا أبو قتيبة ، قال : ثنا أبو العوام ، أنه سمع الحسن في ( والنازعات غرقا ) قال : النجوم .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : ( والنازعات غرقا ) قال : النجوم .

وقال آخرون : هي القسي تنزع بالسهم .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن واصل بن السائب ، عن عطاء ( والنازعات غرقا ) قال : القسي .

وقال آخرون : هي النفس حين تنزع .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن السدي والنازعات غرقا ) قال : النفس حين تغرق في الصدر .

والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال : إن الله تعالى ذكره أقسم بالنازعات غرقا ، ولم يخصص نازعة دون نازعة ، فكل نازعة غرقا ، فداخلة في قسمه ، ملكا كان أو موتا ، أو نجما ، أو قوسا ، أو غير ذلك . والمعنى : والنازعات إغراقا كما يغرق النازع في القوس .

وقوله : ( والناشطات نشطا اختلف أهل التأويل أيضا فيهن ، وما هن ، وما الذي ينشط ، فقال بعضهم : هم الملائكة ، تنشط نفس المؤمن فتقبضها ، كما ينشط [ ص: 187 ] العقال من البعير إذا حل عنه .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : ( والناشطات نشطا ) قال : الملائكة .

وكان الفراء يقول : الذي سمعت من العرب أن يقولوا : أنشطت ، وكأنما أنشط من عقال ، وربطها : نشطها ، والرابط : الناشط; قال : وإذا ربطت الحبل في يد البعير فقد نشطته تنشطه ، وأنت ناشط ، وإذا حللته فقد أنشطته .

وقال آخرون : ( الناشطات نشطا ) هو الموت ينشط نفس الإنسان .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( والناشطات نشطا ) قال : الموت .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، قال : ثنا سفيان ، عن عبد الله بن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا يحيى ، قال : ثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا يوسف بن يعقوب ، قال : ثنا شعبة عن السدي ، عن ابن عباس ( والناشطات نشطا ) قال : حين تنشط نفسه .

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن السدي والناشطات نشطا ) قال : نشطها حين تنشط من القدمين .

وقال آخرون : هي النجوم تنشط من أفق إلى أفق .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قوله : ( والناشطات نشطا ) قال : النجوم .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( والناشطات نشطا ) قال : هن النجوم . [ ص: 188 ]

وقال آخرون : هي الأوهاق .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن واصل بن السائب ، عن عطاء ( والناشطات نشطا ) قال : الأوهاق .

والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال : إن الله جل ثناؤه أقسم بالناشطات نشطا ، وهي التي تنشط من موضع إلى موضع ، فتذهب إليه ، ولم يخصص الله بذلك شيئا دون شيء ، بل عم القسم بجميع الناشطات والملائكة تنشط من موضع إلى موضع ، وكذلك الموت ، وكذلك النجوم والأوهاق وبقر الوحش أيضا تنشط ، كما قال الطرماح :

وهل بحليف الخيل ممن عهدته به غير أحدان النواشط روع

يعنى بالنواشط : بقر الوحش ، لأنها تنشط من بلدة إلى بلدة ، كما قال رؤبة بن العجاج :

تنشطته كل مغلاة الوهق

والهموم تنشط صاحبها ، كما قال هيمان بن قحافة :

أمست همومي تنشط المناشطا     الشام بي طورا وطورا واسطا

فكل ناشط فداخل فيما أقسم به إلا أن تقوم حجة يجب التسليم لها بأن المعني بالقسم من ذلك بعض دون بعض .

وقوله : ( والسابحات سبحا يقول تعالى ذكره : واللواتي تسبح سبحا . [ ص: 189 ]

واختلف أهل التأويل في التي أقسم بها جل ثناؤه من السابحات ، فقال بعضهم : هي الموت تسبح في نفس ابن آدم .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( والسابحات سبحا ) قال : الموت ، هكذا وجدته في كتابي .

وقد حدثنا به ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، قال : ثنا سفيان ، عن عبد الله بن أبي نجيح ، عن مجاهد ( والسابحات سبحا ) قال : الملائكة ، وهكذا وجدت هذا أيضا في كتابي ، فإن يكن ما ذكرنا عن ابن حميد صحيحا ، فإن مجاهدا كان يرى أن نزول الملائكة من السماء سباحة ، كما يقال للفرس الجواد : إنه لسابح إذا مر يسرع .

وقال آخرون : هي النجوم تسبح في فلكها .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( والسابحات سبحا ) قال : هي النجوم .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، مثله .

وقال آخرون : هي السفن .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن واصل بن السائب ، عن عطاء ( والسابحات سبحا ) قال : السفن .

والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال : إن الله جل ثناؤه أقسم بالسابحات سبحا من خلقه ، ولم يخصص من ذلك بعضا دون بعض ، فذلك كل سابح ، لما وصفنا قبل في النازعات .

وقوله : ( فالسابقات سبقا اختلف أهل التأويل فيها ، فقال بعضهم : هي الملائكة . [ ص: 190 ]

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن عبد الله بن أبي نجيح ، عن مجاهد ( فالسابقات سبقا ) قال : الملائكة .

وقد حدثنا بهذا الحديث أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( فالسابقات سبقا ) قال : الموت .

وقال آخرون : بل هي الخيل السابقة .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن واصل بن السائب ، عن عطاء ( فالسابقات سبقا ) قال : الخيل .

وقال آخرون : بل هي النجوم يسبق بعضها بعضا في السير .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( فالسابقات سبقا ) قال : هي النجوم .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، مثله .

والقول عندنا في هذه مثل القول في سائر الأحرف الماضية .

وقوله : ( فالمدبرات أمرا يقول : فالملائكة المدبرة ما أمرت به من أمر الله ، وكذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( فالمدبرات أمرا ) قال : هي الملائكة .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، مثله .

وقوله : ( يوم ترجف الراجفة ) يقول تعالى ذكره : يوم ترجف الأرض والجبال للنفخة الأولى ( تتبعها الرادفة ) تتبعها الأخرى بعدها ، هي النفخة الثانية التي ردفت الأولى لبعث يوم القيامة .

ذكر من قال ذلك :

حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، [ ص: 191 ] قوله : ( يوم ترجف الراجفة ) يقول : النفخة الأولى .

وقوله : ( تتبعها الرادفة ) يقول : النفخة الثانية .

حدثنا محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة يقول : تتبع الآخرة الأولى ، والراجفة : النفخة الأولى ، والرادفة : النفخة الآخرة .

حدثني يعقوب ، قال : ثنا ابن علية ، عن أبي رجاء ، عن الحسن ، في قوله : ( يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة ) قال : هما النفختان : أما الأولى فتميت الأحياء ، وأما الثانية فتحيي الموتى ، ثم تلا الحسن : ( ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون ) .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة ) قال : هما الصيحتان ، أما الأولى فتميت كل شيء بإذن الله ، وأما الأخرى فتحيي كل شيء بإذن الله ، إن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : ” بينهما أربعون ” قال أصحابه : والله ما زادنا على ذلك . وذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : ” يبعث في تلك الأربعين مطر يقال له الحياة ، حتى تطيب الأرض وتهتز ، وتنبت أجساد الناس نبات البقل ، ثم تنفخ الثانية ، فإذا هم قيام ينظرون ” .

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي ، عن إسماعيل بن رافع المدني ، عن يزيد بن أبي زياد عن رجل ، عن محمد بن كعب القرظي ، عن رجل من الأنصار ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذكر الصور ، فقال أبو هريرة : يا رسول الله ، وما الصور ؟ قال : ” قرن ” . قال : فكيف هو ؟ قال : ” قرن عظيم ينفخ فيه ثلاث نفخات : الأولى نفخة الفزع ، والثانية نفخة الصعق ، والثالثة نفخة القيام ، فيفزع أهل السماوات والأرض إلا من شاء الله ، ويأمر الله فيديمها ، ويطولها ، ولا يفتر ، وهي التي تقول : ما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة مالها من فواق فيسير الله الجبال ، فتكون سرابا ، وترج الأرض بأهلها رجا ، وهي التي يقول : ( يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة قلوب يومئذ واجفة ” .

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن عبيد الله بن محمد بن عقيل ، عن الطفيل بن أبي ، عن أبيه ، قال : قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ ص: 192 ] ( يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة ) فقال : ” جاءت الراجفة تتبعها الرادفة ، جاء الموت بما فيه ” .

حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( يوم ترجف الراجفة ) : النفخة الأولى ( تتبعها الرادفة ) : النفخة الأخرى .

وقال آخرون : في ذلك ما حدثني به محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : ( يوم ترجف الراجفة ) قال : ترجف الأرض والجبال ، وهي الزلزلة وقوله : ( الرادفة ) قال : هو قوله : ( إذا السماء انشقت ) ( فدكتا دكة واحدة ) .

وقال آخرون : ترجف الأرض ، والرادفة : الساعة .

ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( يوم ترجف الراجفة ) الأرض ، وفي قوله : ( تتبعها الرادفة ) قال : الرادفة : الساعة .

واختلف أهل العربية في موضع جواب قوله : ( والنازعات غرقا ) فقال بعض نحويي البصرة : قوله ( والنازعات غرقا ) : قسم والله أعلم على ( أن في ذلك لعبرة لمن يخشى ) وإن شئت جعلتها على ( يوم ترجف الراجفة ) ( قلوب يومئذ واجفة ) وهو كما قال الله وشاء أن يكون في كل هذا ، وفي كل الأمور . وقال بعض نحويي الكوفة : جواب القسم في النازعات : ما ترك لمعرفة السامعين بالمعنى ، كأنه لو ظهر كان لتبعثن ولتحاسبن . قال : ويدل على ذلك ( أئذا كنا عظاما نخرة ) . ألا ترى أنه كالجواب لقوله : ( لتبعثن ) إذ قال : ( أئذا كنا عظاما نخرة ) ، وقال آخر منهم نحو هذا ، غير أنه قال : لا يجوز حذف اللام في جواب اليمين ، لأنها إذا حذفت لم يعرف موضعها ، وذلك أنها تلي كل كلام .

والصواب من القول في ذلك عندنا ، أن جواب القسم في هذا الموضع مما استغني عنه بدلالة الكلام ، فترك ذكره .

وقوله : ( قلوب يومئذ واجفة يقول تعالى ذكره : قلوب خلق من خلقه يومئذ ، خائفة من عظيم الهول النازل . [ ص: 193 ]

ذكر من قال ذلك :

حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ( قلوب يومئذ واجفة ) يقول : خائفة .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : ( واجفة ) : خائفة .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في ( واجفة ) قال : خائفة .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( قلوب يومئذ واجفة ) يقول : خائفة ، وجفت مما عاينت يومئذ .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( قلوب يومئذ واجفة ) قال : الواجفة : الخائفة .

وقوله : ( أبصارها خاشعة ) يقول : أبصار أصحابها ذليلة مما قد علاها من الكآبة والحزن من الخوف والرعب الذي قد نزل بهم من عظيم هول ذلك اليوم .

كما حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( أبصارها خاشعة ) قال : خاشعة للذل الذي قد نزل بها .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( أبصارها خاشعة ) يقول : ذليلة .

 

 

 

القول في تأويل قوله تعالى : ( يقولون أئنا لمردودون في الحافرة ( 10 ) أئذا كنا عظاما نخرة ( 11 ) قالوا تلك إذا كرة خاسرة ( 12 ) فإنما هي زجرة واحدة ( 13 ) فإذا هم بالساهرة ( 14 ) ) .

يقول تعالى ذكره : يقول هؤلاء المكذبون بالبعث من مشركي قريش إذا قيل لهم : إنكم مبعوثون من بعد الموت : أئنا لمردودون إلى حالنا الأولى قبل الممات ، فراجعون أحياء كما كنا قبل هلاكنا ، وقبل مماتنا ، وهو من قولهم : رجع فلان على حافرته : إذا [ ص: 194 ] رجع من حيث جاء; ومنه قول الشاعر :

أحافرة على صلع وشيب معاذ الله من سفه وطيش

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : ( الحافرة ) يقول : الحياة .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( أئنا لمردودون في الحافرة ) يقول : أئنا لنحيا بعد موتنا ، ونبعث من مكاننا هذا .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة يقول : ( أئنا لمردودون في الحافرة ) أئنا لمبعوثون خلقا جديدا .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( في الحافرة ) قال : أي مردودون خلقا جديدا .

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن أبي معشر ، عن محمد بن قيس أو محمد بن كعب القرظي أئنا لمردودون في الحافرة ) قال : في الحياة .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن السدي أئنا لمردودون في الحافرة ) قال : في الحياة .

وقال آخرون : الحافرة : الأرض المحفورة التي حفرت فيها قبورهم ، فجعلوا ذلك نظير قوله : ( من ماء دافق ) . يعني مدفوق ، وقالوا : الحافرة بمعنى المحفورة ، ومعنى الكلام عندهم : أئنا لمردودون في قبورنا أمواتا .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، [ ص: 195 ] عن مجاهد ، قوله : ( الحافرة ) قال : الأرض : نبعث خلقا جديدا ، قال : البعث .

حدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( أئنا لمردودون في الحافرة ) قال : الأرض ، نبعث خلقا جديدا .

وقال آخرون : الحافرة : النار .

ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : سمعت ابن زيد يقول في قول الله : ( أئنا لمردودون في الحافرة ) قال : الحافرة : النار ، وقرأ قول الله ( تلك إذا كرة خاسرة ) قال : ما أكثر أسماءها ، هي النار ، وهي الجحيم ، وهي سقر ، وهي جهنم ، وهي الهاوية ، وهي الحافرة ، وهي لظى ، وهي الحطمة .

وقوله : ( أئذا كنا عظاما نخرة ) اختلفت القراء قي قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء المدينة والحجاز والبصرة ( نخرة ) بمعنى : بالية . وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة ( ناخرة ) بألف ، بمعنى : أنها مجوفة تنخر الرياح في جوفها إذا مرت بها . وكان بعض أهل العلم بكلام العرب من الكوفيين يقول : الناخرة والنخرة سواء في المعنى ، بمنزلة الطامع والطمع ، والباخل والبخل; وأفصح اللغتين عندنا وأشهرهما عندنا ( نخرة ) ، بغير ألف ، بمعنى : بالية ، غير أن رءوس الآي قبلها وبعدها جاءت بالألف ، فأعجب إلي لذلك أن تلحق ناخرة بها ليتفق هو وسائر رءوس الآيات ، لولا ذلك كان أعجب القراءتين إلي حذف الألف منها .

ذكر من قال ( نخرة ) : بالية :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ( أئذا كنا عظاما نخرة ) فالنخرة : الفانية البالية .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( عظاما نخرة ) قال : مرفوتة .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( أئذا كنا عظاما ) تكذيبا بالبعث ( ناخرة ) بالية . قالوا : ( تلك إذا كرة خاسرة ) يقول جل ثناؤه عن قيل هؤلاء المكذبين بالبعث ، قالوا : تلك : يعنون تلك الرجعة أحياء بعد الممات ، إذا : [ ص: 196 ] يعنون الآن ، كرة : يعنون رجعة ، خاسرة : يعنون غابنة .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( إذا كرة خاسرة ) : أي رجعة خاسرة .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( تلك اذا كرة خاسرة ) قال : وأي كرة أخسر منها ، أحيوا ثم صاروا إلى النار ، فكانت كرة سوء .

وقوله : ( فإنما هي زجرة واحدة ) يقول تعالى ذكره : فإنما هي صيحة واحدة ، ونفخة تنفخ في الصور ، وذلك هو الزجرة .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( زجرة واحدة ) قال : صيحة .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( زجرة واحدة ) قال : الزجرة : النفخة في الصور .

وقوله : ( فإذا هم بالساهرة ) يقول تعالى ذكره : فإذا هؤلاء المكذبون بالبعث المتعجبون من إحياء الله إياهم من بعد مماتهم ، تكذيبا منهم بذلك بالساهرة ، يعني بظهر الأرض ، والعرب تسمي الفلاة ووجه الأرض ساهرة ، وأراهم سموا ذلك بها ، لأن فيه نوم الحيوان وسهرها ، فوصف بصفة ما فيه; ومنه قول أمية بن أبي الصلت :

وفيها لحم ساهرة وبحر     وما فاهوا به لهم مقيم

ص: 197 ]

ومنه قول أخي نهم يوم ذي قار لفرسه :

أقدم ” محاج ” إنها الأساوره     ولا يهولنك رجل نادره
فإنما قصرك ترب الساهره     ثم تعود بعدها في الحافره
من بعد ما كنت عظاما ناخره

واختلف أهل التأويل في معناها ، فقال بعضهم مثل الذي قلنا .

ذكر من قال ذلك :

حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا هشيم ، قال : أخبرنا حصين ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، في قوله : ( فإذا هم بالساهرة ) قال : على الأرض ، قال : فذكر شعرا قاله أمية بن أبي الصلت ، فقال :

عندنا صيد بحر وصيد ساهرة

حدثنا محمد بن عبد الله بن بزيع ، قال : ثنا أبو محصن ، عن حصين ، عن عكرمة ، في قوله : ( فإذا هم بالساهرة ) قال : الساهرة : الأرض ، أما سمعت : لهم صيد بحر ، وصيد ساهرة .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، [ ص: 198 ] عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( فإذا هم بالساهرة ) يعني : الأرض .

حدثني يعقوب ، قال : ثنا ابن علية ، قال : ثنا عمارة بن أبي حفصة ، عن عكرمة ، في قوله : ( فإذا هم بالساهرة ) قال : فإذا هم على وجه الأرض ، قال : أو لم تسمعوا ما قال أمية بن أبي الصلت لهم :

وفيها لحم ساهرة وبحر

. . . . . . . . . .

حدثنا عمارة بن موسى ، قال : ثنا عبد الوارث بن سعيد ، قال : ثنا عمارة ، عن عكرمة ، في قوله : ( فإذا هم بالساهرة ) قال : فإذا هم على وجه الأرض ، قال أمية :

وفيها لحم ساهرة وبحر

. . . . . . . . . .

حدثنا يعقوب ، قال : ثنا ابن علية ، عن أبي رجاء ، عن الحسن ( فإذا هم بالساهرة ) فإذا هم على وجه الأرض .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( بالساهرة ) قال : المكان المستوي .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : لما تباعد البعث في أعين القوم قال الله : ( فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم بالساهرة ) يقول : فإذا هم بأعلى الأرض بعد ما كانوا في جوفها .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( بالساهرة ) قال : فإذا هم يخرجون من قبورهم فوق الأرض والأرض ، الساهرة ، قال : فإذا هم يخرجون .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن خصيف ، عن عكرمة وأبي الهيثم ، عن سعيد بن جبير ( فإذا هم بالساهرة ) قال : بالأرض .

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن أبي الهيثم ، عن سعيد بن جبير ، مثله .

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن حصين ، عن عكرمة ، مثله .

حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( فإذا هم بالساهرة ) : وجه الأرض . [ ص: 199 ]

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( فإذا هم بالساهرة ) قال : الساهرة ظهر الأرض فوق ظهرها .

وقال آخرون : الساهرة : اسم مكان من الأرض بعينه معروف .

ذكر من قال ذلك :

حدثني علي بن سهل ، قال : ثني الوليد بن مسلم ، عن عثمان بن أبي العاتكة ، قوله : ( فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم بالساهرة ) قال : بالصقع الذي بين جبل حسان وجبل أريحاء ، يمده الله كيف يشاء .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ( فإذا هم بالساهرة ) قال : أرض بالشام .

وقال آخرون : هو جبل بعينه معروف .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا علي بن سهل ، قال : ثنا الحسن بن بلال ، قال : ثنا حماد ، قال : أخبرنا أبو سنان ، عن وهب بن منبه ، قال في قول الله : ( فإذا هم بالساهرة ) قال : الساهرة : جبل إلى جنب بيت المقدس .

وقال آخرون : هي جهنم .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا محمد بن مروان العقيلي ، قال : ثني سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ( فإذا هم بالساهرة ) قال : في جهنم .

 

 

 

 

 

القول في تأويل قوله تعالى : ( هل أتاك حديث موسى ( 15 ) إذ ناداه ربه بالوادي المقدس طوى ( 16 ) اذهب إلى فرعون إنه طغى ( 17 ) فقل هل لك إلى إن تزكى ( 18 ) ) .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : هل أتاك يا محمد حديث موسى بن عمران ، وهل سمعت خبره حين ناجاه ربه بالواد المقدس ، يعنى بالمقدس : المطهر المبارك . وقد ذكرنا أقوال أهل العلم في ذلك فيما مضى ، فأغنى عن إعادته في هذا [ ص: 200 ] الموضع ، وكذلك بينا معنى قوله : ( طوى ) وما قال فيه أهل التأويل ، غير أنا نذكر بعض ذلك هاهنا .

وقد اختلف أهل التأويل في قوله : ( طوى ) فقال بعضهم : هو اسم الوادي .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( طوى ) اسم الوادي .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( إنك بالوادي المقدس طوى ) قال : اسم المقدس طوى .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( إذ ناداه ربه بالوادي المقدس طوى ) كنا نحدث أنه قدس مرتين ، واسم الوادي طوى .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : طأ الأرض حافيا .

ذكر بعض من قال ذلك :

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ( إنك بالوادي المقدس طوى ) قال : طأ الأرض بقدمك .

. وقال آخرون : بل معنى ذلك أن الوادي قدس طوى : أي مرتين ، وقد بينا ذلك كله ووجوهه فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع . وقرأ ذلك الحسن بكسر الطاء ، وقال : بثت فيه البركة والتقديس مرتين . حدثنا بذلك أحمد بن يوسف ، قال : ثنا القاسم ، قال : ثنا هشيم ، عن عوف ، عن الحسن .

واختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء المدينة والبصرة ( طوى ) بالضم ولم يجروه وقرأ ذلك بعض أهل الشأم والكوفة ( طوى ) بضم الطاء والتنوين .

وقوله : ( اذهب إلى فرعون إنه طغى يقول تعالى ذكره : نادى موسى ربه : أن اذهب إلى فرعون ، فحذفت ” أن ” إذ كان النداء قولا فكأنه قيل لموسى قال ربه : اذهب إلى فرعون . وقوله : ( إنه طغى ) يقول : عتا وتجاوز حده في العدوان ، والتكبر على ربه .

وقوله : ( فقل هل لك إلى أن تزكى ) يقول : فقل له : هل لك إلى أن تتطهر [ ص: 201 ] من دنس الكفر ، وتؤمن بربك ؟

كما حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : ( هل لك إلى أن تزكى ) قال : إلى أن تسلم . قال : والتزكي في القرآن كله : الإسلام ، وقرأ قول الله : ( وذلك جزاء من تزكى ) قال : من أسلم ، وقرأ ( وما يدريك لعله يزكى ) قال : يسلم ، وقرأ ( وما عليك ألا يزكى ) . ألا يسلم .

حدثني سعيد بن عبد الله بن عبد الحكم ، قال : ثنا حفص بن عمر العدني ، عن الحكم بن أبان عن عكرمة ، قول موسى لفرعون : ( هل لك إلى أن تزكى ) هل لك إلى أن تقول : لا إله إلا الله .

واختلفت القراء في قراءة قوله : ( تزكى ) فقرأته عامة قراء المدينة ( تزكى ) بتشديد الزاي ، وقرأته عامة قراء الكوفة والبصرة ( إلى أن تزكى ) بتخفيف الزاي . وكان أبو عمرو يقول فيما ذكر عنه ( تزكى ) بتشديد الزاي ، بمعنى : تتصدق بالزكاة ، فتقول : تتزكى ، ثم تدغم ، وموسى لم يدع فرعون إلى أن يتصدق وهو كافر ، إنما دعاه إلى الإسلام ، فقال : تزكى : أي تكون زاكيا مؤمنا ، والتخفيف في الزاي هو أفصح القراءتين في العربية .

 

 

 

القول في تأويل قوله تعالى : ( وأهديك إلى ربك فتخشى ( 19 ) فأراه الآية الكبرى ( 20 ) فكذب وعصى ( 21 ) ثم أدبر يسعى ( 22 ) فحشر فنادى ( 23 ) فقال أنا ربكم الأعلى ( 24 ) ) .

يقول تعالى ذكره لنبيه موسى : قل لفرعون : هل لك إلى أن أرشدك إلى ما يرضي ربك ، وذلك الدين القيم ( فتخشى ) يقول : فتخشى عقابه بأداء ما ألزمك من فرائضه ، واجتناب ما نهاك عنه من معاصيه .

قوله : ( فأراه الآية الكبرى ) يقول تعالى ذكره : فأرى موسى فرعون الآية الكبرى ، يعني الدلالة الكبرى ، على أنه لله رسول أرسله إليه ، فكانت تلك الآية يد موسى إذ أخرجها بيضاء للناظرين ، وعصاه إذ تحولت ثعبانا مبينا .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . [ ص: 202 ]

ذكر من قال ذلك :

حدثني أبو زائدة زكريا بن يحيى بن أبي زائدة ، قال : ثنا مسلم بن إبراهيم ، عن محمد بن سيف أبي رجاء هكذا هو في كتابي وأظنه عن نوح بن قيس ، عن محمد بن سيف ، قال : سمعت الحسن يقول في هذه الآية : ( فأراه الآية الكبرى ) قال : يده وعصاه .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( فأراه الآية الكبرى ) قال : عصاه ويده .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( فأراه الآية الكبرى ) قال : رأى يد موسى وعصاه ، وهما آيتان .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( الآية الكبرى ) قال : عصاه ويده .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( فأراه الآية الكبرى ) قال : العصا والحية .

وقوله : ( فكذب وعصى ) يقول : فكذب فرعون موسى فيما أتاه من الآيات المعجزة ، وعصاه فيما أمره به من طاعته ربه ، وخشيته إياه .

وقوله : ( ثم أدبر يسعى ) يقول : ثم ولى معرضا عما دعاه إليه موسى من طاعته ربه ، وخشيته وتوحيده . ( يسعى ) يقول : يعمل في معصية الله ، وفيما يسخطه عليه .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( ثم أدبر يسعى ) قال : يعمل بالفساد .

وقوله : ( فحشر فنادى ) يقول : فجمع قومه وأتباعه ، فنادى فيهم ( فقال ) لهم : ( أنا ربكم الأعلى ) الذي كل رب دوني ، وكذب الأحمق .

وبمثل الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . [ ص: 203 ]

ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( فحشر فنادى ) قال : صرخ وحشر قومه ، فنادى فيهم ، فلما اجتمعوا قال : ( أنا ربكم الأعلى فأخذه الله نكال الآخرة والأولى ) .

 

 

 

القول في تأويل قوله تعالى : ( فأخذه الله نكال الآخرة والأولى ( 25 ) إن في ذلك لعبرة لمن يخشى ( 26 ) أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها ( 27 ) رفع سمكها فسواها ( 28 ) ) .

يعني تعالى ذكره بقوله : ( فأخذه الله ) فعاقبه الله ( نكال الآخرة والأولى ) يقول : عقوبة الآخرة من كلمتيه ، وهي قوله : ( أنا ربكم الأعلى ) ، والأولى قوله : ( ما علمت لكم من إله غيري ) .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كريب ، قال : سمعت أبا بكر ، وسئل عن هذا فقال : كان بينهما أربعون سنة ، بين قوله : ( ما علمت لكم من إله غيري ) ، وقوله : ( أنا ربكم الأعلى ) قال : هما كلمتاه ، ( فأخذه الله نكال الآخرة والأولى ) قيل له : من ذكره ؟ قال : أبو حصين ، فقيل له : عن أبي الضحى ، عن ابن عباس ؟ قال : نعم .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( فأخذه الله نكال الآخرة والأولى ) قال : أما الأولى فحين قال : ( ما علمت لكم من إله غيري ) ، وأما الآخرة فحين قال : ( أنا ربكم الأعلى ) .

حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا محمد بن أبي الوضاح ، عن عبد الكريم الجزري ، عن مجاهد ، في قوله : ( فأخذه الله نكال الآخرة والأولى ) قال : هو قوله : ( ما علمت لكم من إله غيري ) ، وقوله : ( أنا ربكم الأعلى ) وكان بينهما أربعون سنة . [ ص: 204 ]

حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا أبو عوانة ، عن إسماعيل الأسدي ، عن الشعبي بمثله .

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن زكريا ، عن عامر ( نكال الآخرة والأولى ) قال : هما كلمتاه ( ما علمت لكم من إله غيري ) و ( أنا ربكم الأعلى ) .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( نكال الآخرة والأولى ) فذلك قوله : ( ما علمت لكم من إله غيري ) والآخرة في قوله : ( أنا ربكم الأعلى ) .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، قال : أخبرني من سمع مجاهدا يقول : كان بين قول فرعون : ( ما علمت لكم من إله غيري ) وبين قوله : ( أنا ربكم الأعلى ) أربعون سنة .

حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( نكال الآخرة والأولى ) أما الأولى فحين قال فرعون : ( ما علمت لكم من إله غيري ) ، وأما الآخرة فحين قال : ( أنا ربكم الأعلى ) فأخذه الله بكلمتيه كلتيهما ، فأغرقه في اليم .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : ( فأخذه الله نكال الآخرة والأولى ) قال : اختلفوا فيها فمنهم من قال : نكال الآخرة من كلمتيه ، والأولى قوله : ( ما علمت لكم من إله غيري ) وقوله : ( أنا ربكم الأعلى ) .

وقال آخرون : عذاب الدنيا وعذاب الآخرة ، عجل الله له الغرق مع ما أعد له من العذاب في الآخرة .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن خيثمة الجعفي ، قال : كان بين كلمتي فرعون أربعون سنة ، قوله : ( أنا ربكم الأعلى ) ، وقوله : ( ما علمت لكم من إله غيري ) .

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن إسرائيل ، عن ثوير ، عن مجاهد ، قال : مكث فرعون في قومه بعد ما قال : ( أنا ربكم الأعلى ) أربعين سنة .

قال آخرون : بل عني بذلك : فأخذه الله نكال الدنيا والآخرة . [ ص: 205 ]

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا هوذة ، قال : ثنا عوف ، عن الحسن ، في قوله : ( فأخذه الله نكال الآخرة والأولى ) قال : الدنيا والآخرة .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن ( فأخذه الله نكال الآخرة والأولى ) قال : عقوبة الدنيا والآخرة ، وهو قول قتادة .

وقال آخرون : الأولى عصيانه ربه وكفره به ، والآخرة قوله : ( أنا ربكم الأعلى ) .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن إسماعيل بن سميع ، عن أبي رزين ( فأخذه الله نكال الآخرة والأولى ) قال : الأولى تكذيبه وعصيانه ، والآخرة قوله : ( أنا ربكم الأعلى ) ، ثم قرأ : ( فكذب وعصى ثم أدبر يسعى فحشر فنادى فقال أنا ربكم الأعلى ) فهي الكلمة الآخرة .

وقال آخرون : بل عني بذلك أنه أخذه بأول عمله وآخره .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ( فأخذه الله نكال الآخرة والأولى ) قال : أول عمله وآخره .

حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ( فأخذه الله نكال الآخرة والأولى ) قال : أول أعماله وآخرها .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن الكلبي : ( فأخذه الله نكال الآخرة والأولى ) قال : نكال الآخرة من المعصية والأولى .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد ، قوله : ( نكال الآخرة والأولى ) قال : عمله للآخرة والأولى .

وقوله : ( إن في ذلك لعبرة لمن يخشى ) يقول تعالى ذكره : إن في العقوبة التي عاقب الله بها فرعون في عاجل الدنيا ، وفي أخذه إياه نكال الآخرة والأولى ، عظة ومعتبرا لمن يخاف الله ويخشى عقابه ، وأخرج نكال الآخرة مصدرا من قوله : ( فأخذه الله ) لأن قوله ( فأخذه الله ) نكل به فجعل ( نكال الآخرة ) مصدرا من معناه لا من لفظه .

وقوله : ( أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها ) يقول تعالى ذكره للمكذبين بالبعث من قريش ، القائلين : ( أئذا كنا عظاما نخرة قالوا تلك إذا كرة خاسرة ) أأنتم أيها الناس أشد خلقا ، أم السماء بناها ربكم ، فإن من بنى السماء فرفعها سقفا ، هين عليه خلقكم [ ص: 206 ] وخلق أمثالكم ، وإحياؤكم بعد مماتكم وليس خلقكم بعد مماتكم بأشد من خلق السماء . وعني بقوله : ( بناها ) : رفعها فجعلها للأرض سقفا .

وقوله : ( رفع سمكها فسواها يقول تعالى ذكره : فسوى السماء ، فلا شيء أرفع من شيء ، ولا شيء أخفض من شيء ، ولكن جميعها مستوي الارتفاع والامتداد .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( رفع سمكها فسواها ) يقول : رفع بناءها فسواها .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( رفع سمكها فسواها ) قال : رفع بناءها بغير عمد .

حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : ( رفع سمكها ) يقول : بنيانها .

 

 

القول في تأويل قوله تعالى : ( وأغطش ليلها وأخرج ضحاها ( 29 ) والأرض بعد ذلك دحاها ( 30 ) أخرج منها ماءها ومرعاها ( 31 ) والجبال أرساها ( 32 ) ) .

وقوله : ( وأغطش ليلها ) يقول تعالى ذكره : أظلم ليل السماء ، فأضاف الليل إلى السماء ، لأن الليل غروب الشمس ، وغروبها وطلوعها فيها ، فأضيف إليها لما كان فيها ، كما قيل : نجوم الليل ، إذ كان فيه الطلوع والغروب .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : ( وأغطش ليلها ) يقول : أظلم ليلها .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن [ ص: 207 ] أبيه ، عن ابن عباس ( وأغطش ليلها ) يقول : أظلم ليلها .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( وأغطش ليلها ) قال : أظلم .

حدثني بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( وأغطش ليلها ) قال : أظلم ليلها .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( وأغطش ليلها ) قال : أظلم .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب . قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( وأغطش ليلها ) قال : الظلمة .

حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( وأغطش ليلها ) يقول : أظلم ليلها .

حدثنا محمد بن سنان القزاز ، قال : ثنا حفص بن عمر ، قال : ثنا الحكم عن عكرمة ( وأغطش ليلها ) قال : أظلم ليلها .

وقوله : ( وأخرج ضحاها ) يقول : وأخرج ضياءها ، يعني : أبرز نهارها فأظهره ، ونور ضحاها .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( وأخرج ضحاها ) نورها .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( وأخرج ضحاها ) يقول : نور ضياءها .

حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( وأخرج ضحاها ) قال : نهارها .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : [ ص: 208 ] ( وأخرج ضحاها ) قال : ضوء النهار .

وقوله : ( والأرض بعد ذلك دحاها اختلف أهل التأويل في معنى قوله ( بعد ذلك ) فقال بعضهم : دحيت الأرض من بعد خلق السماء .

ذكر من قال ذلك :

حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله حيث ذكر خلق الأرض قبل السماء ، ثم ذكر السماء قبل الأرض ، وذلك أن الله خلق الأرض بأقواتها من غير أن يدحوها قبل السماء ، ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات ، ثم دحا الأرض بعد ذلك ، فذلك قوله : ( والأرض بعد ذلك دحاها ) .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ( والأرض بعد ذلك دحاها أخرج منها ماءها ومرعاها والجبال أرساها ) يعني : أن الله خلق السماوات والأرض ، فلما فرغ من السماوات قبل أن يخلق أقوات الأرض فيها بعد خلق السماء ، وأرسى الجبال ، يعني بذلك دحوها الأقوات ، ولم تكن تصلح أقوات الأرض ونباتها إلا بالليل والنهار ، فذلك قوله : ( والأرض بعد ذلك دحاها ) ألم تسمع أنه قال : ( أخرج منها ماءها ومرعاها ) .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يعقوب ، عن حفص ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : وضع البيت على الماء على أربعة أركان قبل أن يخلق الدنيا بألفي عام ، ثم دحيت الأرض من تحت البيت .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن بكير بن الأخنس ، عن مجاهد عن عبد الله بن عمرو ، قال : خلق الله البيت قبل الأرض بألفي سنة ، ومنه دحيت الأرض .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : والأرض مع ذلك دحاها ، وقالوا : الأرض خلقت ودحيت قبل السماء ، وذلك أن الله قال : ( هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات ) . قالوا : فأخبر الله أنه سوى السماوات بعد أن خلق ما في الأرض جميعا ، قالوا فإذا كان ذلك كذلك ، فلا وجه لقوله : ( والأرض بعد ذلك دحاها ) إ لا ما ذكرنا من أنه مع ذلك دحاها قالوا : وذلك كقول الله عز وجل : ( عتل بعد ذلك زنيم ) . بمعنى : مع ذلك زنيم ، وكما يقال للرجل : أنت [ ص: 209 ] أحمق ، وأنت بعد هذا لئيم الحسب ، بمعنى : مع هذا ، وكما قال جل ثناؤه : ( ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر ) : أي من قبل الذكر ، واستشهد بقول الهذلي :

حمدت إلهي بعد عروة إذ نجا خراش وبعض الشر أهون من بعض

وزعموا أن خراشا نجا قبل عروة .

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن خصيف ، عن مجاهد ( والأرض بعد ذلك دحاها ) قال : مع ذلك دحاها .

حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن مجاهد ، أنه قال : والأرض عند ذلك دحاها .

حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم ، قال : ثنا علي بن معبد ، قال : ثنا محمد بن سلمة ، عن خصيف ، عن مجاهد ( والأرض بعد ذلك دحاها ) قال : مع ذلك دحاها .

حدثني محمد بن خلف العسقلاني ، قال : ثنا رواد بن الجراح ، عن أبي حمزة ، عن السدي في قوله : ( والأرض بعد ذلك دحاها ) قال : مع ذلك دحاها .

والقول الذي ذكرناه عن ابن عباس من أن الله تعالى خلق الأرض ، وقدر فيها أقواتها ، ولم يدحها ، ثم استوى إلى السماء ، فسواهن سبع سموات ، ثم دحا الأرض بعد ذلك ، فأخرج منها ماءها ومرعاها ، وأرسى جبالها ، أشبه بما دل عليه ظاهر التنزيل ، لأنه جل ثناؤه قال : ( والأرض بعد ذلك دحاها ) والمعروف من معنى ” بعد ” أنه خلاف معنى ” قبل ” وليس في دحو الله الأرض بعد تسويته السماوات السبع ، وإغطاشه ليلها ، وإخراجه ضحاها ، ما يوجب أن تكون الأرض خلقت بعد خلق السماوات لأن الدحو إنما هو البسط في كلام العرب ، والمد يقال منه : دحا يدحو دحوا ، ودحيت أدحي دحيا ، لغتان; ومنه قول أمية بن أبي الصلت :

دار دحاها ثم أعمرنا بها     وأقام بالأخرى التي هي أمجد

ص: 210 ]

وقول أوس بن حجر في نعت غيث :

ينفي الحصى عن جديد الأرض مبترك     كأنه فاحص أو لاعب داحي

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( والأرض بعد ذلك دحاها ) : أي بسطها .

حدثني محمد بن خلف ، قال : ثنا رواد ، عن أبي حمزة ، عن السدي ( دحاها ) قال : بسطها .

حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان : ( دحاها ) بسطها .

وقال ابن زيد في ذلك ما حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( دحاها ) قال : حرثها شقها وقال : ( أخرج منها ماءها ومرعاها ) ، وقرأ : ( ثم شققنا الأرض شقا ) حتى بلغ ( وفاكهة وأبا ) ، وقال حين شقها أنبت هذا منها ، وقرأ ( والأرض ذات الصدع ) .

وقوله : ( أخرج منها ماءها ) يقول : فجر فيها الأنهار ( ومرعاها ) يقول : أنبت نباتها .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( ومرعاها ) ما خلق الله فيها من النبات ، وماءها ما فجر فيها من الأنهار . [ ص: 211 ]

وقوله : ( والجبال أرساها يقول : والجبال أثبتها فيها ، وفي الكلام متروك استغني بدلالة الكلام عليه من ذكره ، وهو فيها ، وذلك أن معنى الكلام : والجبال أرساها فيها .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد عن قتادة ( والجبال أرساها ) أي : أثبتها لا تميد بأهلها حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن عطاء ، عن أبي عبد الرحمن السلمي ، عن علي قال : لما خلق الله الأرض قمصت وقالت : تخلق علي آدم وذريته يلقون علي نتنهم ، ويعملون علي بالخطايا ، فأرساها الله ، فمنها ما ترون ، ومنها ما لا ترون ، فكان أول قرار الأرض كلحم الجزور إذا نحر يحتلج لحمها .

 

 

القول في تأويل قوله تعالى : ( متاعا لكم ولأنعامكم ( 33 ) فإذا جاءت الطامة الكبرى ( 34 ) يوم يتذكر الإنسان ما سعى ( 35 ) وبرزت الجحيم لمن يرى ( 36 ) ) .

يعني تعالى ذكره بقوله : ( متاعا لكم ولأنعامكم ) أنه خلق هذه الأشياء ، وأخرج من الأرض ماءها ومرعاها منفعة لنا ومتاعا إلى حين .

وقوله : ( فإذا جاءت الطامة الكبرى ) يقول تعالى ذكره : فإذا جاءت التي تطم على كل هائلة من الأمور ، فتغمر ما سواها بعظيم هولها ، وقيل : إنها اسم من أسماء يوم القيامة .

ذكر من قال ذلك :

حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : ( فإذا جاءت الطامة الكبرى ) من أسماء يوم القيامة عظمه الله ، وحذره عباده .

حدثني محمد بن عمارة ، قال : ثنا سهل بن عامر ، قال : ثنا مالك بن مغول ، عن القاسم بن الوليد ، في قوله : ( فإذا جاءت الطامة الكبرى ) قال : سيق أهل الجنة إلى الجنة ، وأهل النار إلى النار .

وقوله : ( يوم يتذكر الإنسان ما سعى ) يقول : إذا جاءت الطامة يوم يتذكر الإنسان ما عمل في الدنيا من خير وشر ، وذلك سعيه ( وبرزت الجحيم ) يقول : وأظهرت الجحيم ، وهي نار الله لمن يراها ، يقول : لأبصار الناظرين .

 

 

 

ص: 212 ] القول في تأويل قوله تعالى : ( فأما من طغى ( 37 ) وآثر الحياة الدنيا ( 38 ) فإن الجحيم هي المأوى ( 39 ) وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى ( 40 ) فإن الجنة هي المأوى ( 41 ) ) .

يقول تعالى ذكره : فأما من عتا على ربه ، وعصاه واستكبر عن عبادته .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( طغى ) قال : عصى .

قوله : ( وآثر الحياة الدنيا ) يقول : وآثر متاع الحياة الدنيا على كرامة الآخرة ، وما أعد الله فيها لأوليائه ، فعمل للدنيا ، وسعى لها ، وترك العمل للآخرة ( فإن الجحيم هي المأوى ) يقول : فإن نار الله التي اسمها الجحيم ، هي منزله ومأواه ، ومصيره الذي يصير إليه يوم القيامة .

وقوله : ( وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى يقول : وأما من خاف مسألة الله إياه عند وقوفه يوم القيامة بين يديه ، فاتقاه بأداء فرائضه ، واجتناب معاصيه ، ( ونهى النفس عن الهوى ) يقول : ونهى نفسه عن هواها فيما يكرهه الله ، ولا يرضاه منها ، فزجرها عن ذلك ، وخالف هواها إلى ما أمره به ربه ( فإن الجنة هي المأوى ) يقول : فإن الجنة هي مأواه ومنزله يوم القيامة .

وقد ذكرنا أقوال أهل التأويل في معنى قوله : ( ولمن خاف مقام ربه ) فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .

 

 

 

القول في تأويل قوله تعالى : ( يسألونك عن الساعة أيان مرساها ( 42 ) فيم أنت من ذكراها ( 43 ) إلى ربك منتهاها ( 44 ) إنما أنت منذر من يخشاها ( 45 ) كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها ( 46 ) ) . [ ص: 213 ]

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : يسألك يا محمد هؤلاء المكذبون بالبعث عن الساعة التي تبعث فيها الموتى من قبورهم ( أيان مرساها ) ، متى قيامها وظهورها . وكان الفراء يقول : إن قال القائل : إنما الإرساء للسفينة ، والجبال الراسية وما أشبههن ، فكيف وصف الساعة بالإرساء ؟ قلت : هي بمنزلة السفينة إذا كانت جارية فرست ، ورسوها : قيامها; قال : وليس قيامها كقيام القائم ، إنما هي كقولك : قد قام العدل ، وقام الحق : أي ظهر وثبت .

قال أبو جعفر رحمه الله : يقول الله لنبيه : ( فيم أنت من ذكراها ) يقول : في أي شيء أنت من ذكر الساعة والبحث عن شأنها . وذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكثر ذكر الساعة ، حتى نزلت هذه الآية .

حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا سفيان بن عيينة ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة ، قالت : لم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يسأل عن الساعة ، حتى أنزل الله عز وجل : ( فيم أنت من ذكراها إلى ربك منتهاها .

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن إسماعيل ، عن طارق بن شهاب ، قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يزال يذكر شأن الساعة حتى نزلت ( يسألونك عن الساعة أيان مرساها ) إلى ( من يخشاها ) .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( فيم أنت من ذكراها ) قال : الساعة .

وقوله : ( إلى ربك منتهاها ) يقول : إلى ربك منتهى علمها ، أي إليه ينتهي علم الساعة ، لا يعلم وقت قيامها غيره .

وقوله : ( إنما أنت منذر من يخشاها ) يقول تعالى ذكره لمحمد : إنما أنت رسول مبعوث بإنذار الساعة من يخاف عقاب الله فيها على إجرامه ولم تكلف علم وقت قيامها ، يقول : فدع ما لم تكلف علمه واعمل بما أمرت به من إنذار من أمرت بإنذاره .

واختلف القراء في قراءة قوله : ( منذر من يخشاها ) فكان أبو جعفر القارئ وابن محيصن يقرآن ( منذر ) بالتنوين ، بمعنى : أنه منذر من يخشاها ، وقرأ ذلك سائر قراء المدينة ومكة والكوفة والبصرة بإضافة ( منذر ) إلى ( من ) . [ ص: 214 ]

والصواب من القول في ذلك عندي : أنهما قراءتان معروفتان ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب .

وقوله : ( كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها ) يقول جل ثناؤه : كأن هؤلاء المكذبين بالساعة ، يوم يرون أن الساعة قد قامت من عظيم هولها ، لم يلبثوا في الدنيا إلا عشية يوم ، أو ضحى تلك العشية ، والعرب تقول : آتيك العشية أو غداتها ، وآتيك الغداة أو عشيتها ، فيجعلون معنى الغداة بمعنى أول النهار ، والعشية : آخر النهار فكذلك قوله : ( إلا عشية أو ضحاها ) إنما معناه إلا آخر يوم أو أوله ، وينشد هذا البيت :

نحن صبحنا عامرا في دارها عشية الهلال أو سرارها

يعني : عشية الهلال ، أو عشية سرار العشية .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد عن قتادة ، قوله : ( كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها ) وقت الدنيا في أعين القوم حين عاينوا الآخرة .

آخر تفسير سورة النازعات .

اترك تعليقاً