شرح حديث أنفق بلال و لا تخش من ذي العرش إقلالا
أن النبيَّ – صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم – دخل على بلالٍ وعنده صُبْرَةٌ من تَمْرٍ، فقال : ما هذا يا بلالُ ؟ !، قال : شيءٌ ادَّخَرْتُهُ لِغَدٍ، فقال : أَمَا تَخْشَى أن تَرَى له غَدًا بُخَارًا في نارِ جهنمَ يومَ القيامةِ ؟ ! أَنْفِقْ بلالُ ! ولا تَخْشَ من ذِي العرشِ إِقْلالًا
الراوي : أبو هريرة | المحدث : الألباني
| المصدر : هداية الرواة
الصفحة أو الرقم: 1826 | خلاصة حكم المحدث : صحيح بمجموع طرقه
قال أبو الحسن المباركفوري رحمه الله تعالى: ” قوله: (أنفق بلال) أي يا بلال، (ولا تخش من ذي العرش إقلالاً) أي فقراً أو إعداماً، وهذا أمر بتحصيل مقام الكمال، وإلا فقد جوز ادخار المال سنة للعيال، وكذا الضعفاء الأحوال. وما أحسن موقع ذي العرش في هذا المقام، أي: أتخشى أن يضيع مثلك من يدبر الأمر من السماء إلى الأرض.
حَرَصَ الإسلامُ على التَّكافُلِ بينَ النَّاسِ، وأمَرَ المُسلِمينَ بالصَّدَقاتِ ومُراعاةِ الفُقراءِ والمَساكينِ والمُحتاجينَ، وبَيَّنَ فَضلَ الإنفاقِ في سَبيلِ اللهِ، كما بَيَّنَ وُجوهَ ذلك، وبَيَّنَ أنَّ خَزائِنَ اللهِ مَملوءةٌ لا تَنفَدُ، وكانَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ القُدوةَ الحَسَنةَ في ذلك.
وفي هذا الخَبرِ يَروي أبو هُريرةَ رَضيَ اللهُ عنه: “أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ دَخَلَ على بِلالٍ” في بَيتِه، وهو بِلالُ بنُ رَباحٍ مُؤذِّنُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، “وعِندَه صُبرةٌ مِن تَمرٍ” وهي كَومةٌ مِن تَمرٍ، والتَّمرُ نَوعٌ مِن أنواعِ البَلَحِ الجافِّ، “فقالَ: ما هذا يا بِلالُ؟ قال: شَيءٌ ادَّخَرتُه لِغَدٍ” لِيَنتَفِعَ به ولِيأكُلَ منه في الأيامِ القادِمةِ، فقالَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: “أما تَخشى أنْ تَرى له غَدًا بُخارًا في نارِ جَهنَّمَ يَومَ القِيامةِ؟!” بمَعنى: ألَا تَخافُ أنْ تَرى أثَرَ إمساكِ هذا التَّمرِ وعَدَمِ إنفاقِه في سَبيلِ اللهِ؛ فيَكونَ له بُخارٌ مِن نارِ جَهنَّمَ يُعذَّبُ به مَن أمسَكَه وبَخِلَ به؟ “أنفِقْ بِلالُ” أخرِجْ ما تَدَّخِرُه وأنفِقْه في سَبيلِ اللهِ، “ولا تَخشَ مِن ذي العَرشِ إقلالًا”؛ فإنَّه جَوادٌ كَريمٌ، وغَنيٌّ حَميدٌ، يَرزُقُ عِبادَه ويُخلِفُ عليهم نَفَقتَهم في سَبيلِه، ورَحمَتُه عَمَّتْ أهلَ السَّماءِ والأرضِ، والمُؤمِنَ والكافِرَ، والطُّيورَ والدَّوابَّ، وهذا أمْرٌ بتَحصيلِ مَقامِ الكَمالِ، وإلَّا فقد جَوَّزَ ادِّخارَ المالِ سَنةً لِلعيالِ، وكذا لِضُعَفاءِ الأحوالِ.