تفسير الطبري سورة الإنشقاق
سورة الإنشقاق كاملة بالتشكيل
إِذَا ٱلسَّمَآءُ ٱنشَقَّتۡ وَأَذِنَتۡ لِرَبِّهَا وَحُقَّتۡ وَإِذَا ٱلۡأَرۡضُ مُدَّتۡ وَأَلۡقَتۡ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتۡ وَأَذِنَتۡ لِرَبِّهَا وَحُقَّتۡ يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡإِنسَٰنُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدۡحٗا فَمُلَٰقِيهِ فَأَمَّا مَنۡ أُوتِيَ كِتَٰبَهُۥ بِيَمِينِهِۦ فَسَوۡفَ يُحَاسَبُ حِسَابٗا يَسِيرٗا وَيَنقَلِبُ إِلَىٰٓ أَهۡلِهِۦ مَسۡرُورٗا وَأَمَّا مَنۡ أُوتِيَ كِتَٰبَهُۥ وَرَآءَ ظَهۡرِهِۦ فَسَوۡفَ يَدۡعُواْ ثُبُورٗا وَيَصۡلَىٰ سَعِيرًا إِنَّهُۥ كَانَ فِيٓ أَهۡلِهِۦ مَسۡرُورًا إِنَّهُۥ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ بَلَىٰٓۚ إِنَّ رَبَّهُۥ كَانَ بِهِۦ بَصِيرٗا فَلَآ أُقۡسِمُ بِٱلشَّفَقِ وَٱلَّيۡلِ وَمَا وَسَقَ وَٱلۡقَمَرِ إِذَا ٱتَّسَقَ لَتَرۡكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٖ فَمَا لَهُمۡ لَا يُؤۡمِنُونَ وَإِذَا قُرِئَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡقُرۡءَانُ لَا يَسۡجُدُونَۤ۩ بَلِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُكَذِّبُونَ وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا يُوعُونَ فَبَشِّرۡهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَهُمۡ أَجۡرٌ غَيۡرُ مَمۡنُونِۭ
بسم الله الرحمن الرحيم
القول في تأويل قوله تعالى : ( إِذَا ٱلسَّمَآءُ ٱنشَقَّتۡ وَأَذِنَتۡ لِرَبِّهَا وَحُقَّتۡ وَإِذَا ٱلۡأَرۡضُ مُدَّتۡ وَأَلۡقَتۡ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتۡ ) .
يقول تعالى ذكره : إذا السماء تصدعت وتقطعت فكانت أبوابا .
وقوله : ( وأذنت لربها وحقت ) يقول : وسمعت السماوات في تصدعها وتشققها لربها وأطاعت له في أمره إياها ، والعرب تقول : أذن لك في هذا الأمر أذنا بمعنى : استمع لك ، ومنه الخبر الذي روي عن النبي صلى الله عليه وسلم : ” ما أذن الله لشيء كأذنه لنبي يتغنى بالقرآن ” يعني بذلك : ما استمع الله لشيء كاستماعه لنبي يتغنى بالقرآن ، ومنه قول الشاعر :
صم إذا سمعوا خيرا ذكرت به وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا
وأصل قولهم في الطاعة سمع له من الاستماع ، يقال منه : سمعت لك ، بمعنى سمعت قولك ، وأطعت فيما قلت وأمرت .
وبنحو الذي قلنا في معنى قوله : ( وأذنت لربها ) قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن [ ص: 310 ] ابن عباس ، قوله : ( وأذنت لربها وحقت ) قال : سمعت لربها .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن يمان ، عن أشعث ، عن جعفر ، عن سعيد ، في قوله : ( وأذنت لربها وحقت ) قال : سمعت وأطاعت .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : ( وأذنت لربها وحقت ) قال : سمعت .
حدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : ( وأذنت لربها وحقت ) قال : سمعت وأطاعت .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( وأذنت لربها وحقت ) أي : سمعت وأطاعت .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( وأذنت لربها وحقت ) قال : سمعت وأطاعت .
وقوله : ( وحقت ) يقول : وحقق الله عليها الاستماع بالانشقاق والانتهاء إلى طاعته في ذلك .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، في قوله : ( وحقت ) قال : حققت لطاعة ربها .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن أشعث بن إسحاق ، عن جعفر ، عن سعيد بن جبير ( وحقت ) وحق لها .
وقوله : ( وإذا الأرض مدت ) يقول تعالى ذكره : وإذا الأرض بسطت ، فزيدت في سعتها .
كالذي حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن الزهري ، عن علي بن حسين ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” إذا كان يوم القيامة مد الله [ ص: 311 ] الأرض حتى لا يكون لبشر من الناس إلا موضع قدميه ، فأكون أول من يدعى ، وجبريل عن يمين الرحمن ، والله ما رآه قبلها ، فأقول : يا رب إن هذا أخبرني أنك أرسلته إلي ، فيقول : صدق ، ثم أشفع فأقول : يا رب عبادك عبدوك في أطراف الأرض . – قال – : وهو المقام المحمود” .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( مدت ) قال : يوم القيامة .
وقوله : ( وألقت ما فيها وتخلت ) يقول جل ثناؤه : وألقت الأرض ما في بطنها من الموتى إلى ظهرها وتخلت منهم إلى الله .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( وألقت ما فيها وتخلت ) قال : أخرجت ما فيها من الموتى .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( وألقت ما فيها وتخلت ) قال : أخرجت أثقالها وما فيها .
وقوله : ( وأذنت لربها وحقت ) يقول : وسمعت الأرض في إلقائها ما في بطنها من الموتى إلى ظهرها أحياء أمر ربها وأطاعت ( وحقت ) يقول : وحققها الله للاستماع لأمره في ذلك ، والانتهاء إلى طاعته .
واختلف أهل العربية في موقع جواب قوله : ( إذا السماء انشقت ) ، وقوله : ( وإذا الأرض مدت ) فقال بعض نحويي البصرة : ( إذا السماء انشقت ) على معنى قوله : ( يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه ) إذا السماء انشقت ، على التقديم والتأخير .
وقال بعض نحويي الكوفة : قال بعض المفسرين : جواب ( إذا السماء انشقت ) قوله : ( وأذنت ) قال : ونرى أنه رأي ارتآه المفسر ، وشبهه بقول الله تعالى : ( حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها ) لأنا لم نسمع جوابا بالواو في إذا مبتدأة ، ولا كلام قبلها ، [ ص: 312 ] ولا في إذا ، إذا ابتدئت . قال : وإنما تجيب العرب بالواو في قوله : حتى إذا كان ، وفلما أن كان ، لم يجاوزوا ذلك ; قال : والجواب في ( إذا السماء انشقت ) وفي ( إذا الأرض مدت ) كالمتروك ; لأن المعنى معروف قد تردد في القرآن معناه ، فعرف وإن شئت كان جوابه : يأيها الإنسان ، كقول القائل : إذا كان كذا وكذا ، فيا أيها الناس ترون ما عملتم من خير أو شر ، تجعل ( يا أيها الإنسان ) هو الجواب ، وتضمر فيه الفاء ، وقد فسر جواب ( إذا السماء انشقت ) فيما يلقى الإنسان من ثواب وعقاب ، فكأن المعنى : ترى الثواب والعقاب إذا السماء انشقت .
والصواب من القول في ذلك عندنا : أن جوابه محذوف ترك استغناء بمعرفة المخاطبين به بمعناه . ومعنى الكلام : ( إذا السماء انشقت ) رأى الإنسان ما قدم من خير أو شر ، وقد بين ذلك قوله : ( يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه ) والآيات بعدها .
القول في تأويل قوله تعالى : ( يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡإِنسَٰنُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدۡحٗا فَمُلَٰقِيهِ
يقول تعالى ذكره : يأيها الإنسان إنك عامل إلى ربك عملا فملاقيه به خيرا كان عملك ذلك أو شرا ، يقول : فليكن عملك مما ينجيك من سخطه ، ويوجب لك رضاه ، ولا يكن مما يسخطه عليك فتهلك .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ( يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه ) يقول : تعمل عملا تلقى الله به خيرا كان أو شرا .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه ) إن كدحك يا ابن آدم لضعيف ، فمن [ ص: 313 ] استطاع أن يكون كدحه في طاعة الله فليفعل ، ولا قوة إلا بالله .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : ( إنك كادح إلى ربك كدحا ) قال : عامل له عملا .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : وسمعته يقول في ذلك : ( إنك كادح إلى ربك كدحا ) قال : عامل إلى ربك عملا . قال : كدحا : العمل .
وقوله : ( فأما من أوتي كتابه بيمينه ) يقول تعالى ذكره : فأما من أعطي كتاب أعماله بيمينه ( فسوف يحاسب حسابا يسيرا ) بأن ينظر في أعماله ، فيغفر له سيئها ، ويجازى على حسنها .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل وجاء الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا جرير ، عن محمد بن إسحاق ، عن عبد الواحد بن حمزة ، عن عباد بن عبد الله بن الزبير ، عن عائشة ، قالت : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ” اللهم حاسبني حسابا يسيرا ” قلت : يا رسول الله ما الحساب اليسير ؟ قال : ” أن ينظر في سيئاته فيتجاوز عنه ، إنه من نوقش الحساب يومئذ هلك ” .
حدثني يعقوب ، قال : ثنا ابن علية ، عن محمد بن إسحاق ، قال : ثني عبد الواحد بن حمزة بن عبد الله بن الزبير ، عن عباد بن عبد الله بن الزبير ، عن عائشة ، قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في بعض صلاته : ” اللهم حاسبني حسابا يسيرا ” ، فلما انصرف قلت : يا رسول الله ما الحساب اليسير ؟ قال : ” ينظر في كتابه ، ويتجاوز عنه ، إنه من نوقش الحساب يومئذ يا عائشة هلك ” .
حدثنا نصر بن علي الجهضمي ، قال : ثنا مسلم ، عن الحريش بن الخريت أخي الزبير ، عن ابن أبي مليكة ، عن عائشة ، قالت : من نوقش الحساب ، أو من حوسب عذب ، قال : ثم قالت : إنما الحساب اليسير : عرض على الله وهو يراهم .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الوهاب ، قال : ثنا أيوب ، وحدثني يعقوب ، قال : ثنا ابن علية ، قال : أخبرنا أيوب ، عن ابن أبي مليكة ، عن عائشة أن رسول الله [ ص: 314 ] صلى الله عليه وسلم ، قال : ” من حوسب يوم القيامة عذب ” فقلت : أليس الله يقول : ( فسوف يحاسب حسابا يسيرا ) قال : ” ليس ذلك الحساب إنما ذلك العرض ، ولكن من نوقش الحساب يوم القيامة عذب ” .
حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا روح بن عبادة ، قال : ثنا أبو عامر الخزاز ، عن ابن أبي مليكة ، عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” إنه ليس أحد يحاسب يوم القيامة إلا معذبا ” فقلت : أليس يقول الله : ( فسوف يحاسب حسابا يسيرا ) ؟ قال : ” ذلك العرض ، إنه من نوقش الحساب عذب ” وقال بيده على أصبعه كأنه ينكته .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : ( فسوف يحاسب حسابا يسيرا ) قال : الحساب اليسير : الذي يغفر ذنوبه ، ويتقبل حسناته ، ويسير الحساب الذي يعفى عنه ، وقرأ : ( ويخافون سوء الحساب ) ، وقرأ : ( أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة ) .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن عثمان بن الأسود ، قال : ثني ابن أبي مليكة ، عن عائشة ، قالت : يا رسول الله ( فسوف يحاسب حسابا يسيرا ) قال : ” ذلك العرض يا عائشة ، من نوقش الحساب هلك ” .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عثمان بن عمرو وأبو داود ، قالا ثنا أبو عامر الخزاز ، عن ابن أبي مليكة ، عن عائشة ، قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” من حوسب عذب ” ، قالت : فقلت : أليس الله يقول : ( فسوف يحاسب حسابا يسيرا ) قال : ” ذلك العرض يا عائشة ، ومن نوقش الحساب عذب ” .
إن قال قائل : وكيف قيل : ( فسوف يحاسب ) ، والمحاسبة لا تكون إلا من اثنين ، والله القائم بأعمالهم ولا أحد له قبل ربه طلبة فيحاسبه ؟ قيل : إن ذلك تقرير من الله للعبد بذنوبه ، وإقرار من العبد بها ، وبما أحصاه كتاب عمله ، فذلك المحاسبة على ما وصفنا ، ولذلك قيل : يحاسب .
حدثنا عمرو بن علي ، قال : ثنا ابن أبي عدي ، عن أبي يونس القشيري ، عن ابن أبي مليكة ، عن القاسم بن محمد ، عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” ليس أحد يحاسب يوم القيامة إلا هلك ” قالت : فقلت : يا رسول الله [ ص: 315 ] ( فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا ) فقال : ” ذلك العرض ، ليس أحد يحاسب يوم القيامة إلا هلك ” .
وقوله : ( وينقلب إلى أهله مسرورا ) يقول : وينصرف هذا المحاسب حسابا يسيرا إلى أهله في الجنة مسرورا .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( وينقلب إلى أهله مسرورا ) قال : إلى أهل أعد الله لهم الجنة .
القول في تأويل قوله تعالى : ( وأما من أوتي كتابه وراء ظهره ( 10 ) فسوف يدعو ثبورا ( 11 ) ويصلى سعيرا ( 12 ) إنه كان في أهله مسرورا ( 13 ) إنه ظن أن لن يحور ( 14 ) بلى إن ربه كان به بصيرا ( 15 ) ) .
يقول تعالى ذكره : وأما من أعطي كتابه منكم أيها الناس يومئذ وراء ظهره ، وذلك أن جعل يده اليمنى إلى عنقه وجعل الشمال من يديه وراء ظهره ، فيتناول كتابه بشماله من وراء ظهره ، ولذلك وصفهم جل ثناؤه أحيانا أنهم يؤتون كتبهم بشمائلهم ، وأحيانا أنهم يؤتونها من وراء ظهورهم .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( وأما من أوتي كتابه وراء ظهره ) قال : يجعل يده من وراء ظهره .
وقوله : ( فسوف يدعو ثبورا ) يقول : فسوف ينادي بالهلاك ، وهو أن يقول : واثبوراه ، واويلاه ، وهو من قولهم : دعا فلان لهفه : إذا قال : والهفاه . [ ص: 316 ]
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
وقد ذكرنا معنى الثبور فيما مضى بشواهده ، وما فيه من الرواية .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( يدعو ثبورا ) قال : يدعو بالهلاك .
وقوله : ( ويصلى سعيرا ) اختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء مكة والمدينة والشام : ( ويصلى ) بضم الياء وتشديد اللام ، بمعنى : أن الله يصليهم تصلية بعد تصلية ، وإنضاجة بعد إنضاجة ، كما قال تعالى : ( كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ) ، واستشهدوا لتصحيح قراءتهم ذلك كذلك ، بقوله : ( ثم الجحيم صلوه ) وقرأ ذلك بعض المدنيين وعامة قراء الكوفة والبصرة : ( ويصلى ) بفتح الياء وتخفيف اللام ، بمعنى : أنهم يصلونها ويردونها ، فيحترقون فيها ، واستشهدوا لتصحيح قراءتهم ذلك كذلك بقول الله : ( يصلونها ) و ( إلا من هو صال الجحيم ) .
والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب .
وقوله : ( إنه كان في أهله مسرورا ) يقول تعالى ذكره : إنه كان في أهله في الدنيا مسرورا لما فيه من خلافه أمر الله ، وركوبه معاصيه .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( إنه كان في أهله مسرورا ) أي : في الدنيا .
وقوله : ( إنه ظن أن لن يحور بلى ) يقول تعالى ذكره : إن هذا الذي أوتي كتابه وراء ظهره يوم القيامة ، ظن في الدنيا أن لن يرجع إلينا ، ولن يبعث بعد مماته ، فلم يكن يبالي ما ركب من المآثم ; لأنه لم يكن يرجو ثوابا ، ولم يكن يخشى عقابا ، [ ص: 317 ] يقال منه : حار فلان عن هذا الأمر : إذا رجع عنه ، ومنه الخبر الذي روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في دعائه : ” اللهم إني أعوذ بك من الحور بعد الكور ” يعني بذلك : من الرجوع إلى الكفر ، بعد الإيمان .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : ( إنه ظن أن لن يحور ) يقول : يبعث .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( إنه ظن أن لن يحور بلى ) قال : أن لا يرجع إلينا .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( إنه ظن أن لن يحور ) : أن لا معاد له ولا رجعة .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( أن لن يحور ) قال : أن لن ينقلب : يقول : أن لن يبعث .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، ( ظن أن لن يحور ) قال : يرجع .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( أن لن يحور ) قال : أن لن ينقلب .
وقوله : ( بلى ) يقول تعالى ذكره : بلى ليحورن وليرجعن إلى ربه حيا كما كان قبل مماته .
وقوله : ( إن ربه كان به بصيرا ) يقول جل ثناؤه : إن رب هذا الذي ظن أن لن يحور ، كان به بصيرا ؛ إذ هو في الدنيا بما كان يعمل فيها من المعاصي ، وما إليه يصير أمره في الآخرة ، عالم بذلك كله .
القول في تأويل قوله تعالى : ( فلا أقسم بالشفق ( 16 ) والليل وما وسق ( 17 ) والقمر إذا اتسق ( 18 ) لتركبن طبقا عن طبق ( 19 ) فما لهم لا يؤمنون ( 20 ) وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون ( 21 ) ) .
[ ص: 318 ] وهذا قسم أقسم ربنا بالشفق ، والشفق : الحمرة في الأفق من ناحية المغرب من الشمس في قول بعضهم .
واختلف أهل التأويل في ذلك ، فقال بعضهم : هو الحمرة كما قلنا ، وممن قال ذلك جماعة من أهل العراق .
وقال آخرون : هو النهار .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن إسماعيل الأحمسي ، قال : ثنا محمد بن عبيد ، قال : ثنا العوام بن حوشب ، قال : قلت لمجاهد : الشفق ، قال : لا تقل : الشفق ، إن الشفق من الشمس ، ولكن قل : حمرة الأفق .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : الشفق ، قال : النهار كله .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، قال : ثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ( فلا أقسم بالشفق ) قال : النهار .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، مثله .
وقال آخرون : الشفق : هو اسم للحمرة والبياض ، وقالوا : هو من الأضداد .
والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال : إن الله أقسم بالنهار مدبرا ، والليل مقبلا . وأما الشفق الذي تحل به صلاة العشاء ، فإنه للحمرة عندنا للعلة التي قد بيناها في كتابنا كتاب الصلاة .
وقوله : ( والليل وما وسق ) يقول : والليل وما جمع مما سكن وهدأ فيه من ذي روح كان يطير ، أو يدب نهارا ، يقال منه : وسقته أسقه وسقا ، ومنه طعام موسوق ، وهو المجموع في غرائر أو وعاء ، ومنه الوسق ، وهو الطعام المجتمع الكثير مما يكال أو يوزن ، يقال : هو ستون صاعا ، وبه جاء الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . [ ص: 319 ]
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : ( وما وسق ) يقول : وما جمع .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن مجاهد ، عن ابن عباس في هذه الآية ( والليل وما وسق ) قال : وما جمع . وقال ابن عباس :
مستوسقات لو يجدن سائقا
حدثني يعقوب قال : ثنا ابن علية ، عن أبي رجاء ، قال : سأل حفص الحسن عن قوله : ( والليل وما وسق ) قال : وما جمع .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( والليل وما وسق ) قال : وما جمع ، يقول : ما آوى فيه من دابة . [ ص: 320 ]
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ( والليل وما وسق ) : وما لف .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ( والليل وما وسق ) قال : وما أظلم عليه ، وما أدخل فيه . وقال ابن عباس :
مستوسقات لو يجدن حاديا
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( والليل وما وسق ) يقول : وما جمع من نجم أو دابة .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( وما وسق ) قال : وما جمع .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( والليل وما وسق ) قال : وما جمع ، مجتمع فيه الأشياء التي يجمعها الله التي تأوي إليه ، وأشياء تكون في الليل لا تكون في النهار ما جمع مما فيه ما يأوي إليه ، فهو مما جمع .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا حكام ، قال : ثنا عمرو ، عن منصور ، عن مجاهد : ( والليل وما وسق ) يقول : ما لف عليه .
قال : ثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ( والليل وما وسق ) قال : وما دخل فيه .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن إسرائيل ، عن أبي الهيثم ، عن سعيد بن جبير ( والليل وما وسق ) : وما جمع .
قال : ثنا وكيع ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن ابن أبي مليكة ، عن ابن عباس ( وما وسق ) : وما جمع ، ألم تسمع قول الشاعر :
مستوسقات لو يجدن سائقا
حدثنا هناد ، قال : ثنا أبو الأحوص ، عن سماك ، عن عكرمة ، في قوله : ( والليل وما وسق ) قال : ما حاز إذا جاء الليل .
وقال آخرون : معنى ذلك : وما ساق . [ ص: 321 ]
ذكر من قال ذلك :
حدثنا عبد الله بن أحمد المروزي ، قال : ثنا علي بن الحسن ، قال : ثنا حسين ، قال : سمعت عكرمة وسئل ( والليل وما وسق ) قال : ما ساق من ظلمة ، فإذا كان الليل ، ذهب كل شيء إلى مأواه .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يحيى بن واضح ، قال : ثنا الحسن ، عن عكرمة ( والليل وما وسق ) يقول : ما ساق من ظلمة إذا جاء الليل ساق كل شيء إلى مأواه .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول ، في قوله : ( والليل وما وسق ) قال : ما ساق معه من ظلمة إذا أقبل .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( والليل وما وسق ) يعني : وما ساق الليل من شيء جمعه النجوم ، ويقال : والليل وما جمع .
وقوله : ( والقمر إذا اتسق ) يقول : وبالقمر إذا تم واستوى .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : ( والقمر إذا اتسق ) يقول : إذا استوى .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ( والقمر إذا اتسق ) قال : إذا اجتمع واستوى .
حدثنا هناد ، قال : ثنا أبو الأحوص ، عن سماك ، عن عكرمة ( والقمر إذا اتسق ) قال : إذا استوى .
حدثني يعقوب ، قال : ثنا ابن علية ، عن أبي رجاء ، قال : سأل حفص الحسن ، عن قوله : ( والقمر إذا اتسق ) قال : إذا اجتمع ، إذا امتلأ .
حدثني أبو كدينة ، قال : ثنا ابن يمان ، عن أشعث ، عن جعفر بن أبي المغيرة ، عن سعيد ، في قوله : ( والقمر إذا اتسق ) قال : لثلاث عشرة .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، مثله . [ ص: 322 ]
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا حكام ، قال : ثنا عمرو ، عن منصور ، عن مجاهد ، مثله .
قال ثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد ، مثله .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله ( إذا اتسق ) قال : إذا استوى .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن إسرائيل ، عن أبي الهيثم ، عن سعيد بن جبير ( والقمر إذا اتسق ) : إذا استوى .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( إذا اتسق ) : إذا استدار .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( والقمر إذا اتسق ) : إذا استوى .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( والقمر إذا اتسق ) قال : إذا اجتمع فاستوى .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( والقمر إذا اتسق ) قال : إذا استوى .
وقوله : ( لتركبن طبقا عن طبق ) اختلفت القراء في قراءته ، فقرأه عمر بن الخطاب وابن مسعود وأصحابه وابن عباس وعامة قراء مكة والكوفة ( لتركبن ) بفتح التاء والباء . واختلف قارئو ذلك كذلك في معناه ، فقال بعضهم : لتركبن يا محمد أنت حالا بعد حال ، وأمرا بعد أمر من الشدائد .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يعقوب ، قال : ثنا هشيم ، قال : أخبرنا أبو بشر ، عن مجاهد ، أن ابن عباس كان يقرأ : ( لتركبن طبقا عن طبق ) يعني نبيكم صلى الله عليه وسلم حالا بعد حال .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن علية ، قال : ثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن رجل حدثه ، عن ابن عباس في ( لتركبن طبقا عن طبق ) قال : منزلا بعد منزل . [ ص: 323 ]
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، في قوله : ( لتركبن طبقا عن طبق ) يقول : حالا بعد حال .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ( لتركبن طبقا عن طبق ) يعني : منزلا بعد منزل ، ويقال : أمرا بعد أمر ، وحالا بعد حال .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن أبي بشر ، قال : سمعت مجاهدا ، عن ابن عباس ( لتركبن طبقا عن طبق ) قال : محمد صلى الله عليه وسلم .
حدثنا هناد ، قال : ثنا أبو الأحوص ، عن سماك ، عن عكرمة في قوله ( لتركبن طبقا عن طبق ) قال : حالا بعد حال .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا هوذة ، قال : ثنا عوف ، عن الحسن ، في قوله ( لتركبن طبقا عن طبق ) قال : حالا بعد حال .
حدثني يعقوب ، قال : ثنا ابن علية ، عن أبي رجاء ، قال : سأل حفص الحسن عن قوله ( لتركبن طبقا عن طبق ) قال : منزلا عن منزل ، وحالا بعد حال .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا شريك ، عن موسى بن أبي عائشة ، قال : سألت مرة عن قوله ( لتركبن طبقا عن طبق ) قال : حالا بعد حال .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يعقوب ، عن جعفر ، عن سعيد ( لتركبن طبقا عن طبق ) قال : حالا بعد حال .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ( لتركبن طبقا عن طبق ) قال : حالا بعد حال .
قال ثنا وكيع ، عن نصر ، عن عكرمة ، قال : حالا بعد حال .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله ( لتركبن طبقا عن طبق ) قال : لتركبن الأمور حالا بعد حال .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله ( لتركبن طبقا عن طبق ) [ ص: 324 ] يقول : حالا بعد حال ، ومنزلا عن منزل .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( لتركبن طبقا عن طبق ) منزلا بعد منزل ، وحالا بعد حال .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا حكام ، قال : ثنا عمرو ، عن منصور ، عن مجاهد ( لتركبن طبقا عن طبق ) قال : أمرا بعد أمر .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد ، في قوله ( لتركبن طبقا عن طبق ) قال : أمرا بعد أمر .
وقال آخرون ممن قرأ هذه المقالة ، وقرأ هذه القراءة عني بذلك : لتركبن أنت يا محمد سماء بعد سماء .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : قال الحسن وأبو العالية ( لتركبن ) يعني محمدا صلى الله عليه وسلم ( طبقا عن طبق ) السماوات .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن جابر ، عن أبي الضحى ، عن مسروق ( لتركبن طبقا عن طبق ) قال : أنت يا محمد سماء عن سماء .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن إسماعيل ، عن الشعبي ، قال : سماء بعد سماء .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن إسرائيل ، عن جابر ، عن عامر ، عن علقمة ، عن عبد الله ، قال : سماء فوق سماء .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : لتركبن الآخرة بعد الأولى .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله ( لتركبن طبقا عن طبق ) قال : الآخرة بعد الأولى .
وقال آخرون ممن قرأ هذه القراءة : إنما عني بذلك أنها تتغير ضروبا من التغيير ، وتشقق بالغمام مرة وتحمر أخرى ، فتصير وردة كالدهان ، وتكون أخرى كالمهل . [ ص: 325 ]
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن قيس بن وهب ، عن مرة ، عن ابن مسعود ( لتركبن طبقا عن طبق ) قال : السماء مرة كالدهان ، ومرة تشقق .
حدثنا ابن المثني ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : سمعت أبا الزرقاء الهمداني ، وليس بأبي الزرقاء الذي يحدث في المسح على الجوربين ، قال : سمعت مرة الهمداني ، قال : سمعت عبد الله يقول في هذه الآية ( لتركبن طبقا عن طبق ) قال : السماء .
حدثني علي بن سعيد الكندي ، قال : ثنا علي بن غراب ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن عبد الله في قوله ( لتركبن طبقا عن طبق ) قال : هي السماء تغبر وتحمر وتشقق .
حدثنا أبو السائب ، قال : ثني أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن عبد الله ، في قوله : ( لتركبن طبقا عن طبق ) قال : هي السماء تشقق ، ثم تحمر ، ثم تنفطر ; قال : وقال ابن عباس : حالا بعد حال .
حدثني يحيى بن إبراهيم المسعودي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن جده ، عن الأعمش ، عن إبراهيم قال : قرأ عبد الله هذا الحرف ( لتركبن طبقا عن طبق ) قال : السماء حالا بعد حال ، ومنزلة بعد منزلة .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن عبد الله ( لتركبن طبقا عن طبق ) قال : هي السماء .
حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن أبي فروة ، عن مرة ، عن ابن مسعود أنه قرأها نصبا ، قال : هي السماء .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن عبد الله ، قال : هي السماء تغير لونا بعد لون .
وقرأ ذلك عامة قراء المدينة وبعض الكوفيين ( لتركبن ) بالتاء ، وبضم الباء على وجه الخطاب للناس كافة أنهم يركبون أحوال الشدة حالا بعد حال . وقد ذكر بعضهم أنه قرأ ذلك بالياء وبضم الباء ، على وجه الخبر عن الناس كافة ، أنهم يفعلون ذلك .
وأولى القراءات في ذلك عندي بالصواب : قراءة من قرأ بالتاء وبفتح الباء ؛ [ ص: 326 ] لأن تأويل أهل التأويل من جميعهم بذلك ورد ، وإن كان للقراءات الأخر وجوه مفهومة . وإذا كان الصواب من القراءة في ذلك ما ذكرنا فالصواب من التأويل قول من قال ( لتركبن ) أنت يا محمد حالا بعد حال ، وأمرا بعد أمر من الشدائد . والمراد بذلك – وإن كان الخطاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم موجها – جميع الناس ، أنهم يلقون من شدائد يوم القيامة وأهواله أحوالا .
وإنما قلنا : عني بذلك ما ذكرنا أن الكلام قبل قوله ( لتركبن طبقا عن طبق ) جرى بخطاب الجميع ، وكذلك بعده ، فكان أشبه أن يكون ذلك نظير ما قبله وما بعده .
وقوله : ( طبقا عن طبق ) من قول العرب : وقع فلان في بنات طبق : إذا وقع في أمر شديد .
وقوله : ( فما لهم لا يؤمنون ) يقول تعالى ذكره : فما لهؤلاء المشركين لا يصدقون بتوحيد الله ، ولا يقرون بالبعث بعد الموت ، وقد أقسم لهم ربهم بأنهم راكبون طبقا عن طبق مع ما قد عاينوا من حججه بحقيقة توحيده .
وقد حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( فما لهم لا يؤمنون ) قال : بهذا الحديث ، وبهذا الأمر .
وقوله : ( وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون ) يقول تعالى ذكره : وإذا قرئ عليهم كتاب ربهم لا يخضعون ولا يستكينون ، وقد بينا معنى السجود قبل بشواهده ، فأغنى ذلك عن إعادته .
القول في تأويل قوله تعالى : ( بل الذين كفروا يكذبون ( 22 ) والله أعلم بما يوعون ( 23 ) فبشرهم بعذاب أليم ( 24 ) إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون ( 25 ) ) .
قوله : ( بل الذين كفروا يكذبون ) يقول تعالى ذكره : بل الذين كفروا يكذبون بآيات الله وتنزيله .
وقوله : ( والله أعلم بما يوعون ) يقول تعالى ذكره : والله أعلم بما توعيه صدور هؤلاء المشركين من التكذيب بكتاب الله ورسوله . [ ص: 327 ]
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( يوعون ) قال : يكتمون .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( والله أعلم بما يوعون ) قال : المرء يوعي متاعه وماله هذا في هذا ، وهذا في هذا ، هكذا يعرف الله ما يوعون من الأعمال ، والأعمال السيئة مما توعيه قلوبهم ، ويجتمع فيها من هذه الأعمال الخير والشر ، فالقلوب وعاء هذه الأعمال كلها ، الخير والشر ، يعلم ما يسرون وما يعلنون ، ولقد وعى لكم ما لا يدري أحد ما هو من القرآن وغير ذلك ، فاتقوا الله وإياكم أن تدخلوا على مكارم هذه الأعمال بعض هذه الخبث ما يفسدها .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : ( يوعون ) قال في صدورهم . وقوله : ( فبشرهم بعذاب أليم ) يقول جل ثناؤه : فبشر يا محمد هؤلاء المكذبين بآيات الله بعذاب أليم لهم عند الله موجع ( إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) يقول : إلا الذين تابوا منهم وصدقوا ، وأقروا بتوحيده ، ونبوة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، وبالبعث بعد الممات . ( وعملوا الصالحات ) : يقول : وأدوا فرائض الله ، واجتنبوا ركوب ما حرم الله عليهم ركوبه .
وقوله : ( لهم أجر غير ممنون ) يقول تعالى ذكره لهؤلاء الذين آمنوا وعملوا الصالحات : ثواب غير محسوب ولا منقوص .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله : ( لهم أجر غير ممنون ) يقول : غير منقوص .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان عن ابن جريج ، عن مجاهد ، قوله : ( أجر غير ممنون ) يعني : غير محسوب .
آخر تفسير سورة ( إذا السماء انشقت )