تفسير الطبري سورة التكوير

تفسير الطبري سورة التكوير

التكوير At-Takwir

سورة التكوير مكتوبة كاملة بالتشكيل

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

إِذَا ٱلشَّمۡسُ كُوِّرَتۡ  وَإِذَا ٱلنُّجُومُ ٱنكَدَرَتۡ  وَإِذَا ٱلۡجِبَالُ سُيِّرَتۡ  وَإِذَا ٱلۡعِشَارُ عُطِّلَتۡ  وَإِذَا ٱلۡوُحُوشُ حُشِرَتۡ  وَإِذَا ٱلۡبِحَارُ سُجِّرَتۡ  وَإِذَا ٱلنُّفُوسُ زُوِّجَتۡ  وَإِذَا ٱلۡمَوۡءُۥدَةُ سُئِلَتۡ  بِأَيِّ ذَنۢبٖ قُتِلَتۡ  وَإِذَا ٱلصُّحُفُ نُشِرَتۡ  وَإِذَا ٱلسَّمَآءُ كُشِطَتۡ  وَإِذَا ٱلۡجَحِيمُ سُعِّرَتۡ  وَإِذَا ٱلۡجَنَّةُ أُزۡلِفَتۡ  عَلِمَتۡ نَفۡسٞ مَّآ أَحۡضَرَتۡ  فَلَآ أُقۡسِمُ بِٱلۡخُنَّسِ  ٱلۡجَوَارِ ٱلۡكُنَّسِ  وَٱلَّيۡلِ إِذَا عَسۡعَسَ  وَٱلصُّبۡحِ إِذَا تَنَفَّسَ  إِنَّهُۥ لَقَوۡلُ رَسُولٖ كَرِيمٖ  ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي ٱلۡعَرۡشِ مَكِينٖ  مُّطَاعٖ ثَمَّ أَمِينٖ  وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجۡنُونٖ  وَلَقَدۡ رَءَاهُ بِٱلۡأُفُقِ ٱلۡمُبِينِ  وَمَا هُوَ عَلَى ٱلۡغَيۡبِ بِضَنِينٖ  وَمَا هُوَ بِقَوۡلِ شَيۡطَٰنٖ رَّجِيمٖ  فَأَيۡنَ تَذۡهَبُونَ  إِنۡ هُوَ إِلَّا ذِكۡرٞ لِّلۡعَٰلَمِينَ  لِمَن شَآءَ مِنكُمۡ أَن يَسۡتَقِيمَ  وَمَا تَشَآءُونَ إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلۡعَٰلَمِينَ 

 

 

 

 بسم الله الرحمن الرحيم

القول في تأويل قوله تعالى : إذا الشمس كورت ( 1 ) وإذا النجوم انكدرت ( 2 ) وإذا الجبال سيرت ( 3 ) وإذا العشار عطلت ( 4 ) ) .

اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : ( إذا الشمس كورت ) فقال بعضهم : معنى ذلك : إذا الشمس ذهب ضوءها .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا الحسين بن الحريث ، قال : ثنا الفضل بن موسى ، عن الحسين بن واقد ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، قال : ثني أبي بن كعب ، قال : ست آيات قبل يوم القيامة : بينا الناس في أسواقهم ، إذ ذهب ضوء الشمس ، فبينما هم كذلك ، إذ تناثرت النجوم ، فبينما هم كذلك ، إذ وقعت الجبال على وجه الأرض ، فتحركت واضطربت واحترقت ، وفزعت الجن إلى الإنس ، والإنس إلى الجن ، واختلطت الدواب والطير والوحش ، وماجوا بعضهم في بعض ( وإذا الوحوش حشرت ) قال : اختلطت ( وإذا العشار عطلت ) قال : أهملها أهلها ( وإذا البحار سجرت ) قال : قالت الجن للإنس : نحن نأتيكم بالخبر ، قال : فانطلقوا إلى البحار ، فإذا هي نار تأجج; قال : فبينما هم كذلك إذ تصدعت الأرض صدعة واحدة إلى الأرض السابعة السفلى ، وإلى السماء السابعة العليا ، قال : فبينما هم كذلك إذ جاءتهم الريح فأماتتهم .

حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : ( إذا الشمس كورت ) يقول : أظلمت .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( إذا الشمس كورت ) يعني : ذهبت .

حدثني محمد بن عمارة ، حدثني عبيد الله بن موسى ، قال : أخبرنا إسرائيل ، [ ص: 238 ] عن أبي يحيى ، عن مجاهد ( إذا الشمس كورت ) قال : اضمحلت وذهبت .

حدثنا ابن بشار وابن المثنى ، قالا ثنا محمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن قتادة ، في قوله : ( إذا الشمس كورت ) قال : ذهب ضوءها فلا ضوء لها .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يعقوب القمي ، عن جعفر ، عن سعيد ، في قوله : ( إذا الشمس كورت ) قال : غورت ، وهي بالفارسية ، كور تكور .

حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول ، في قوله : ( إذا الشمس كورت ) أما تكوير الشمس : فذهابها .

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن يمان ، عن أشعث ، عن جعفر ، عن سعيد ، في قوله : ( إذا الشمس كورت ) قال : كورت كورا بالفارسية .

وقال آخرون : معنى ذلك : رمي بها .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا عثام بن علي ، قال : ثنا إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي صالح ، في قوله : ( إذا الشمس كورت ) قال : نكست .

حدثني محمد بن عبد الرحمن المسروقي ، قال : ثنا محمد بن بشر ، قال : ثنا إسماعيل ، عن أبي صالح مثله .

حدثنا محمد بن المثنى ، قال : ثنا بدل بن المحبر ، قال : ثنا شعبة ، قال : سمعت إسماعيل ، سمع أبا صالح في قوله : ( إذا الشمس كورت ) قال : ألقيت .

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن أبيه ، عن أبي يعلى ، عن ربيع بن خثيم ( إذا الشمس كورت ) قال : رمي بها .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن أبيه ، عن أبي يعلى ، عن الربيع بن خثيم ، مثله .

والصواب من القول في ذلك عندنا : أن يقال : ( كورت ) كما قال الله جل ثناؤه ، والتكوير في كلام العرب : جمع بعض الشيء إلى بعض ، وذلك كتكوير العمامة ، وهو لفها على الرأس ، وكتكوير الكارة ، وهي جمع الثياب بعضها إلى بعض ، ولفها ، وكذلك قوله : ( إذا الشمس كورت ) إنما معناه : جمع بعضها إلى بعض ، ثم لفت فرمي بها ، وإذا فعل ذلك بها ذهب ضوءها فعلى التأويل الذي تأولناه وبيناه لكلا القولين [ ص: 239 ] اللذين ذكرت عن أهل التأويل وجه صحيح ، وذلك أنها إذا كورت ورمي بها ، ذهب ضوءها .

وقوله : ( وإذا النجوم انكدرت ) يقول : وإذا النجوم تناثرت من السماء فتساقطت ، وأصل الانكدار : الانصباب ، كما قال العجاج :

أبصر خربان فضاء فانكدر

يعني بقوله : انكدر : انصب .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن أبيه ، عن أبي يعلى ، عن الربيع بن خثيم ( وإذا النجوم انكدرت ) قال : تناثرت .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن أبيه ، عن أبي يعلى ، عن الربيع بن خثيم ، مثله .

حدثني محمد بن عمارة ، قال : ثنا عبيد الله ، قال : أخبرنا إسرائيل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( وإذا النجوم انكدرت ) قال : تناثرت .

حدثني محمد بن موسى بن عبد الرحمن المسروقي ، قال : ثنا محمد بن بشر ، قال : ثنا إسماعيل ، عن أبي صالح ، في قوله : ( وإذا النجوم انكدرت ) قال : انتثرت .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( وإذا النجوم انكدرت ) قال : تساقطت وتهافتت .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( وإذا النجوم انكدرت ) قال : رمي بها من السماء إلى الأرض .

وقال آخرون : انكدرت : تغيرت .

ذكر من قال ذلك :

حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس [ ص: 240 ] ( وإذا النجوم انكدرت ) يقول : تغيرت .

وقوله : ( وإذا الجبال سيرت ) يقول : وإذا الجبال سيرها الله ، فكانت سرابا ، وهباء منبثا .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمارة ، قال : ثنا عبيد الله ، قال : أخبرنا إسرائيل ، عن أبي يحيى ، عن مجاهد ( وإذا الجبال سيرت ) قال : ذهبت .

قوله : ( وإذا العشار عطلت ) والعشار : جمع عشراء ، وهي التي قد أتى عليها عشرة أشهر من حملها . يقول تعالى ذكره : وإذا هذه الحوامل التي يتنافس أهلها فيها أهملت فتركت ، من شدة الهول النازل بهم فكيف بغيرها ؟! .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا الحسين بن الحريث ، قال : ثنا الفضل بن موسى ، عن الحسين بن واقد ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، قال : ثني أبي بن كعب ( وإذا العشار عطلت ) قال : إذا أهملها أهلها .

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن أبيه ، عن أبي يعلى ، عن الربيع بن خثيم ( وإذا العشار عطلت ) قال : خلا منها أهلها لم تحلب ولم تصر .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن أبيه ، عن أبي يعلى ، عن الربيع بن خثيم ( وإذا العشار عطلت ) قال : لم تحلب ولم تصر ، وتخلى منها أربابها .

حدثني محمد بن عمارة ، قال : ثنا عبيد الله ، قال : أخبرنا إسرائيل ، عن أبي يحيى ، عن مجاهد ، في قول الله : ( وإذا العشار عطلت ) قال : سيبت : تركت .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : ( وإذا العشار عطلت ) قال : عشار الإبل .

حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا هوذة ، قال : ثنا عوف ، عن الحسن ( وإذا العشار عطلت ) قال : سيبها أهلها فلم تصر ، ولم تحلب ، ولم يكن في الدنيا مال أعجب إليهم منها . [ ص: 241 ]

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( وإذا العشار عطلت ) قال : عشار الإبل سيبت .

حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ ، يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( وإذا العشار عطلت ) يقول : لا راعي لها .

 

 

القول في تأويل قوله تعالى : وإذا الوحوش حشرت ( 5 ) وإذا البحار سجرت ( 6 ) وإذا النفوس زوجت ( 7 ) وإذا الموءودة سئلت ( 8 ) بأي ذنب قتلت ( 9 ) وإذا الصحف نشرت ( 10 ) ) .

اختلف أهل التأويل في معنى قوله : ( وإذا الوحوش حشرت ) فقال بعضهم : معنى ذلك : ماتت .

ذكر من قال ذلك :

حدثني علي بن مسلم الطوسي ، قال : ثنا عباد بن العوام ، قال : أخبرنا حصين ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، في قول الله : ( وإذا الوحوش حشرت ) قال : حشر البهائم : موتها ، وحشر كل شيء : الموت ، غير الجن والإنس ، فإنهما يوقفان يوم القيامة .

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن أبيه ، عن أبي يعلى ، عن ربيع بن خثيم ( وإذا الوحوش حشرت ) قال : أتى عليها أمر الله ، قال سفيان ، قال أبي ، فذكرته لعكرمة ، فقال : قال ابن عباس : حشرها : موتها .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن أبيه ، عن أبي يعلى ، عن الربيع بن خثيم ، بنحوه .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : وإذا الوحوش اختلطت .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا الحسين بن حريث ، قال : ثنا الفضل بن موسى ، عن الحسين بن واقد ، عن الربيع بن أنس عن أبي العالية ، قال : ثني أبي بن كعب ( وإذا الوحوش حشرت ) قال : اختلطت . [ ص: 242 ]

وقال آخرون : بل معنى ذلك : جمعت .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( وإذا الوحوش حشرت ) هذه الخلائق موافية يوم القيامة ، فيقضي الله فيها ما يشاء .

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : معنى حشرت : جمعت ، فأميتت لأن المعروف في كلام العرب من معنى الحشر : الجمع ، ومنه قول الله : ( والطير محشورة ) يعني : مجموعة . وقوله : ( فحشر فنادى ) وإنما يحمل تأويل القرآن على الأغلب الظاهر من تأويله ، لا على الأنكر المجهول .

وقوله : ( وإذا البحار سجرت ) اختلف أهل التأويل في معنى ذلك ، فقال بعضهم : معنى ذلك : وإذا البحار اشتعلت نارا وحميت .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا الحسين بن حريث ، قال : ثنا الفضل بن موسى ، قال : ثنا الحسين بن واقد ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، قال : ثني أبي بن كعب ( وإذا البحار سجرت ) قال : قالت الجن للإنس : نحن نأتيكم بالخبر ، فانطلقوا إلى البحار ، فإذا هي تأجج نارا .

حدثني يعقوب ، قال : ثنا ابن علية ، عن داود ، عن سعيد بن المسيب ، قال : قال علي رضي الله عنه لرجل من اليهود : أين جهنم ؟ فقال : البحر ، فقال : ما أراه إلا صادقا ( والبحر المسجور ) ( وإذا البحار سجرت ) مخففة .

حدثني حوثرة بن محمد المنقري ، قال : ثنا أبو أسامة ، قال : ثنا مجالد ، قال : أخبرني شيخ من بجيلة عن ابن عباس ، في قوله : ( إذا الشمس كورت ) قال : كور الله الشمس والقمر والنجوم في البحر ، فيبعث عليها ريحا دبورا ، فتنفخه حتى يصير نارا ، فذلك قوله : ( وإذا البحار سجرت ) .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( وإذا البحار سجرت ) قال : إنها توقد يوم القيامة ، زعموا ذلك التسجير في كلام العرب .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يعقوب ، عن حفص بن حميد ، عن شمر بن عطية ، في قوله : ( والبحر المسجور ) قال : بمنزلة التنور المسجور ( وإذا البحار سجرت ) مثله . [ ص: 243 ]

قال : ثنا مهران ، عن سفيان ( وإذا البحار سجرت ) قال : أوقدت .

وقال آخرون : معنى ذلك : فاضت .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن أبيه ، عن أبي يعلى ، عن ربيع بن خثيم ( وإذا البحار سجرت ) قال : فاضت .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن أبيه ، عن أبي يعلى ، عن ربيع مثله .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن الكلبي ، في قوله : ( وإذا البحار سجرت ) قال : ملئت ، ألا ترى أنه قال : ( والبحر المسجور ) .

حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( وإذا البحار سجرت ) يقول : فجرت .

وقال آخرون : بل عني بذلك أنه ذهب ماؤها .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( وإذا البحار سجرت ) قال : ذهب ماؤها فلم يبق فيها قطرة .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( وإذا البحار سجرت ) قال : غار ماؤها فذهب .

حدثني الحسين بن محمد الذارع ، قال : ثنا المعتمر بن سليمان ، عن أبيه ، عن الحسين ، في هذا الحرف ( وإذا البحار سجرت ) قال : يبست .

حدثنا الحسين بن محمد ، قال : ثنا يزيد بن زريع ، قال : ثنا أبو رجاء ، عن الحسن ، بمثله .

حدثني يعقوب ، قال : ثنا ابن علية ، عن أبي رجاء ، عن الحسن ، في قوله : ( وإذا البحار سجرت ) قال : يبست .

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : معنى ذلك : ملئت حتى فاضت ، فانفجرت وسالت كما وصفها الله به في الموضع الآخر ، فقال : ” وإذا البحار فجرت ” والعرب تقول للنهر أو للركي المملوء : ماء مسجور; ومنه قول لبيد :

ص: 244 ]

فتوسطا عرض السري وصدعا مسجورة متجاورا قلامها

ويعني بالمسجورة : المملوءة ماء .

واختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء المدينة والكوفة ( سجرت ) بتشديد الجيم . وقرأ ذلك بعض قراء البصرة : بتخفيف الجيم .

والصواب من القول في ذلك : أنهما قراءتان معروفتان متقاربتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب .

وقوله : ( وإذا النفوس زوجت ) اختلف أهل التأويل في تأويله ، فقال بعضهم : ألحق كل إنسان بشكله ، وقرن بين الضرباء والأمثال .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن سماك ، عن النعمان بن بشير ، عن عمر رضي الله عنه ( وإذا النفوس زوجت ) قال : هما الرجلان يعملان العمل الواحد يدخلان به الجنة ، ويدخلان به النار .

حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن سماك بن حرب ، عن النعمان بن بشير عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ( وإذا النفوس زوجت ) قال : هما الرجلان يعملان العمل فيدخلان به الجنة ، وقال : ( احشروا الذين ظلموا وأزواجهم ) ، قال : ضرباءهم .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن سماك بن حرب ، عن النعمان بن بشير ، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ( وإذا النفوس زوجت ) قال : هما الرجلان يعملان العمل يدخلان به الجنة أو النار .

حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن سماك بن حرب أنه سمع النعمان بن بشير يقول : سمعت عمر بن الخطاب وهو يخطب ، قال : ( وكنتم أزواجا ثلاثة فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة والسابقون السابقون أولئك المقربون ) ثم قال : ( وإذا النفوس زوجت ) قال : أزواج في الجنة ، وأزواج في النار . [ ص: 245 ]

حدثنا هناد ، قال : ثنا أبو الأحوص ، عن سماك ، عن النعمان بن بشير ، قال : سئل عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، عن قول الله : ( وإذا النفوس زوجت ) قال : يقرن بين الرجل الصالح مع الرجل الصالح في الجنة ، وبين الرجل السوء مع الرجل السوء في النار .

حدثني محمد بن خلف ، قال : ثنا محمد بن الصباح الدولابي ، عن الوليد ، عن سماك ، عن النعمان بن بشير ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، والنعمان عن عمرو قال : ( وإذا النفوس زوجت ) قال : الضرباء كل رجل مع كل قوم كانوا يعملون عمله ، وذلك أن الله يقول : ( وكنتم أزواجا ثلاثة فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة والسابقون السابقون ) قال : هم الضرباء .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( وإذا النفوس زوجت ) قال : ذلك حين يكون الناس أزواجا ثلاثة .

حدثنا محمد بن بشار ، قال : ثنا هوذة ، قال : ثنا عوف ، عن الحسن ، في قوله : ( وإذا النفوس زوجت ) قال : ألحق كل امرئ بشيعته .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( وإذا النفوس زوجت ) قال : الأمثال من الناس جمع بينهم .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( وإذا النفوس زوجت ) قال : لحق كل إنسان بشيعته ، اليهود باليهود ، والنصارى بالنصارى .

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن أبيه ، عن أبي يعلى ، عن الربيع بن خثيم ( وإذا النفوس زوجت ) قال : يحشر المرء مع صاحب عمله .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن أبيه ، عن أبي يعلى ، عن الربيع ، : قال : يجيء المرء مع صاحب عمله .

وقال آخرون : بل عني بذلك أن الأرواح ردت إلى الأجساد فزوجت بها : أي جعلت لها زوجا . [ ص: 246 ]

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا المعتمر ، عن أبيه ، عن أبي عمرو ، عن عكرمة ( وإذا النفوس زوجت ) قال : الأرواح ترجع إلى الأجساد .

حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا ابن أبي عدي ، عن داود ، عن الشعبي أنه قال في هذه الآية ( وإذا النفوس زوجت ) قال : زوجت الأجساد فردت الأرواح في الأجساد .

حدثني عبيد بن أسباط بن محمد ، قال : ثنا أبي ، عن أبيه ، عن عكرمة ( وإذا النفوس زوجت ) قال : ردت الأرواح في الأجساد .

حدثني الحسن بن زريق الطهوي ، قال : ثنا أسباط ، عن أبيه ، عن عكرمة ، مثله .

حدثني يعقوب ، قال : ثنا ابن علية ، قال : أخبرنا داود ، عن الشعبي ، في قوله : ( وإذا النفوس زوجت ) قال : زوجت الأرواح الأجساد .

وأولى التأويلين في ذلك بالصحة ، الذي تأوله عمر بن الخطاب رضي الله عنه للعلة التي اعتل بها ، وذلك قول الله تعالى ذكره : ( وكنتم أزواجا ثلاثة ) ، وقوله : ( احشروا الذين ظلموا وأزواجهم ) وذلك لا شك الأمثال والأشكال في الخير والشر ، وكذلك قوله : ( وإذا النفوس زوجت ) بالقرناء والأمثال في الخير والشر .

وحدثني مطر بن محمد الضبي ، قال : ثنا عبد الرحمن بن مهدي ، قال : ثنا عبد العزيز بن مسلم القسملي عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية في قوله : ( إذا الشمس كورت ) قال : سيأتي أولها والناس ينظرون ، وسيأتي آخرها إذا النفوس زوجت .

وقوله : ( وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت ) اختلفت القراء في قراءة ذلك فقرأه أبو الضحى مسلم بن صبيح ( وإذا الموءودة سألت بأي ذنب قتلت ) بمعنى : سألت الموءودة الوائدين : بأي ذنب قتلوها .

ذكر الرواية بذلك :

حدثني أبو السائب ، قال : ثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن مسلم ، في قوله : ( وإذا الموءودة سألت ) قال : طلبت بدمائها .

حدثنا سوار بن عبد الله العنبري ، قال : ثنا يحيى بن سعيد ، عن الأعمش ، قال : قال أبو الضحى ( وإذا الموءودة سألت ) قال : سألت قتلتها . [ ص: 247 ]

ولو قرأ قارئ ممن قرأ ( سألت بأي ذنب قتلت ) كان له وجه ، وكان يكون معنى ذلك من قرأ ( بأي ذنب قتلت ) غير أنه إذا كان حكاية جاز فيه الوجهان ، كما يقال : قال عبد الله : بأي ذنب ضرب; كما قال عنترة :

الشاتمي عرضي ولم أشتمهما     والناذرين إذا لقيتهما دمي

وذلك أنهما كانا يقولان : إذا لقينا عنترة لنقتلنه ، فحكى عنترة قولهما في شعره; وكذلك قول الآخر :

رجلان من ضبة أخبرانا     إنا رأينا رجلا عريانا

بمعنى : أخبرانا أنهما ، ولكنه جرى الكلام على مذهب الحكاية . وقرأ ذلك بعض عامة قراء الأمصار : ( وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت ) بمعنى : سئلت الموءودة بأي ذنب قتلت ، ومعنى قتلت : قتلت غير أن ذلك رد إلى الخبر على وجه الحكاية على نحو القول الماضي قبل ، وقد يتوجه معنى ذلك إلى أن يكون : وإذا الموءودة سألت قتلتها ووائديها ، بأي ذنب قتلوها ؟ ثم رد ذلك إلى ما لم يسم فاعله ، فقيل : بأي ذنب قتلت . [ ص: 248 ]

وأولى القراءتين في ذلك عندنا بالصواب قراءة من قرأ ذلك ( سئلت ) بضم السين ( بأي ذنب قتلت ) على وجه الخبر ، لإجماع الحجة من القراء عليه . والموءودة : المدفونة حية ، وكذلك كانت العرب تفعل ببناتها; ومنه قول الفرزدق بن غالب :

ومنا الذي أحيا الوئيد وغائب     وعمرو ، ومنا حاملون ودافع

يقال : وأده فهو يئده وأدا ، ووأدة .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( وإذا الموءودة سئلت ) هي في بعض القراءات : ( سألت بأي ذنب قتلت ) لا بذنب ، كان أهل الجاهلية يقتل أحدهم ابنته ، ويغذو كلبه ، فعاب الله ذلك عليهم .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : جاء قيس بن عاصم التميمي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إني وأدت ثماني بنات في الجاهلية ، قال : ” فأعتق عن كل واحدة بدنة ” .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن أبيه ، عن أبي يعلى ، عن الربيع بن خثيم ( وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت ) قال : كانت العرب من أفعل الناس لذلك .

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن أبيه ، عن أبي يعلى ، عن ربيع بن خثيم بمثله .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : ( وإذا الموءودة سئلت ) قال : البنات التي كانت طوائف العرب يقتلونهن ، وقرأ : [ ص: 249 ] ( بأي ذنب قتلت ) .

وقوله : ( وإذا الصحف نشرت ) يقول تعالى ذكره : وإذا صحف أعمال العباد نشرت لهم بعد أن كانت مطوية على ما فيها مكتوب من الحسنات والسيئات .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( وإذا الصحف نشرت ) صحيفتك يا ابن آدم تملى ما فيها ، ثم تطوى ، ثم تنشر عليك يوم القيامة .

واختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء المدينة ( نشرت ) بتخفيف الشين ، وكذلك قرأ أيضا بعض الكوفيين ، وقرأ ذلك بعض قراء مكة وعامة قراء الكوفة بتشديد الشين . واعتل من اعتل منهم لقراءته ذلك كذلك بقول الله : ( أن يؤتى صحفا منشرة ) ولم يقل منشورة ، وإنما حسن التشديد فيه لأنه خبر عن جماعة ، كما يقال : هذه كباش مذبحة ، ولو أخبر عن الواحد بذلك كانت مخففة ، فقيل مذبوحة ، فكذلك قوله منشورة .

 

 

 

القول في تأويل قوله تعالى : ( وإذا السماء كشطت ( 11 ) وإذا الجحيم سعرت ( 12 ) وإذا الجنة أزلفت ( 13 ) علمت نفس ما أحضرت ( 14 ) فلا أقسم بالخنس ( 15 ) الجوار الكنس ( 16 ) ) .

يقول تعالى ذكره : وإذا السماء نزعت وجذبت ثم طويت .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( كشطت ) قال : جذبت . وذكر أن ذلك في قراءة عبد الله ( قشطت ) بالقاف ، والقشط والكشط بمعنى واحد وذلك تحويل من العرب الكاف قافا لتقارب مخرجيهما ، كما قيل للكافور قافور ، ولقسط كسط ، وذلك كثير في كلامهم إذا [ ص: 250 ] تقارب مخرج الحرفين أبدلوا من كل واحد منهما صاحبه ، كقولهم للأثافي : أثاثي ، وثوب فرقبي وثرقبي .

وقوله : ( وإذا الجحيم سعرت ) يقول تعالى ذكره : وإذا الجحيم أوقد عليها فأحميت .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( وإذا الجحيم سعرت ) سعرها غضب الله ، وخطايا بني آدم .

واختلفت القراء في قراءة ذلك فقرأته عامة قراء المدينة ( سعرت ) بتشديد عينها بمعنى أوقد عليها مرة بعد مرة ، وقرأته عامة قراء الكوفة بالتخفيف . والقول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب . وقوله : ( وإذا الجنة أزلفت ) يقول تعالى ذكره : وإذا الجنة قربت وأدنيت .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن أبيه ، عن أبي يعلى ، عن الربيع بن خثيم : ( وإذا الجحيم سعرت وإذا الجنة أزلفت ) قال : إلى هذين ما جرى الحديث : فريق في الجنة ، وفريق في السعير .

حدثني ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان عن أبيه ، عن أبي يعلى ، عن الربيع ( وإذا الجحيم سعرت وإذا الجنة أزلفت ) قال : إلى هذين ما جرى الحديث : فريق إلى الجنة ، وفريق إلى النار . يعني الربيع بقوله : إلى هذين ما جرى الحديث أن ابتداء الخبر ( إذا الشمس كورت ) إلى قوله : ( وإذا الجحيم سعرت ) إنما عددت الأمور الكائنة التي نهايتها أحد هذين الأمرين ، وذلك المصير إما إلى الجنة ، وإما إلى النار .

وقوله : ( علمت نفس ما أحضرت ) يقول تعالى ذكره : علمت نفس عند ذلك ما أحضرت من خير ، فتصير به إلى الجنة ، أو شر فتصير به إلى النار ، يقول : يتبين له عند ذاك ما كان جاهلا به ، وما الذي كان فيه صلاحه من غيره .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( علمت نفس ما أحضرت ) [ ص: 251 ] من عمل قال : قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : وإلى هذا جرى الحديث .

وقوله : ( علمت نفس ما أحضرت ) جواب لقوله : ( إذا الشمس كورت ) وما بعدها ، كما يقال : إذا قام عبد الله قعد عمرو .

وقوله : ( فلا أقسم بالخنس الجوار الكنس ) اختلف أهل التأويل في الخنس الجوار الكنس فقال بعضهم : هي النجوم الدراري الخمسة تخنس في مجراها فترجع وتكنس ، فتستتر في بيوتها كما تكنس الظباء في المغار ، والنجوم الخمسة : بهرام وزحل ، وعطارد ، والزهرة ، والمشتري .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا هناد ، قال : ثنا أبو الأحوص ، عن سماك ، عن خالد بن عرعرة ، أن رجلا قام إلى علي رضي الله عنه ، فقال : ما ( الجوار الكنس ) ؟ قال : هي الكواكب .

حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن سماك بن حرب ، قال : سمعت خالد بن عرعرة ، قال : سمعت عليا عليه السلام ، وسئل عن ( لا أقسم بالخنس الجوار الكنس ) قال : هي النجوم تخنس بالنهار ، وتكنس بالليل .

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن سماك ، عن خالد بن عرعرة ، عن علي رضي الله عنه ، قال : النجوم .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن رجل من مراد ، عن علي أنه قال : هل تدرون ما الخنس ؟ هي النجوم تجري بالليل ، وتخنس بالنهار .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : ثني جرير بن حازم ، أنه سمع الحسن يسئل ، فقيل : يا أبا سعيد ما الجواري الكنس ؟ قال : النجوم .

حدثنا محمد بن بشار ، قال : ثنا هوذة بن خليفة ، قال : ثنا عوف ، عن بكر بن عبد الله ، في قوله : ( فلا أقسم بالخنس الجوار الكنس ) قال : هي النجوم الدراري ، التي تجري تستقبل المشرق .

حدثني أبو السائب ، قال : ثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن مجاهد ، قال : هي النجوم .

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن رجل [ ص: 252 ] من مراد ، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ( فلا أقسم بالخنس الجوار الكنس ) قال : يعني النجوم تكنس بالنهار ، وتبدو بالليل .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة : قوله : ( فلا أقسم بالخنس الجوار الكنس ) قال : هي النجوم تبدو بالليل وتخنس بالنهار .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن الحسن في قوله : ( فلا أقسم بالخنس الجوار الكنس ) قال : هي النجوم تخنس بالنهار ، والجوار الكنس : سيرهن إذا غبن .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( أقسم بالخنس الجوار الكنس ) قال : الخنس والجواري الكنس : النجوم الخنس ، إنها تخنس تتأخر عن مطلعها ، هي تتأخر كل عام لها في كل عام تأخر عن تعجيل ذلك الطلوع تخنس عنه . والكنس : تكنس بالنهار فلا ترى . قال : والجواري تجري بعد ، فهذا الخنس الجواري الكنس .

وقال آخرون : هي بقر الوحش التي تكنس في كناسها .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا الحسن بن عرفة قال : ثنا هشيم بن بشير ، عن زكريا بن أبي زائدة ، عن أبي إسحاق السبيعي ، عن أبي ميسرة ، عن عبد الله بن مسعود أنه قال لأبي ميسرة : ما الجواري الكنس ؟ قال : فقال بقر الوحش قال : فقال : وأنا أرى ذلك .

حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا يحيى ، عن سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن أبي ميسرة ، عن عبد الله ، في قوله : ( الجوار الكنس ) : قال : بقر الوحش .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن شرحبيل ، قال : قال ابن مسعود : يا عمرو ما الجواري الكنس ، أو ما تراها ؟ قال عمرو : أراها البقر ، قال عبد الله : وأنا أراها البقر .

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن أبي ميسرة قال : سألت عنها عبد الله ، فذكر نحوه .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : ثني جرير بن حازم ، قال : ثني الحجاج بن المنذر ، قال : سألت أبا الشعثاء جابر بن زيد عن الجواري الكنس ، [ ص: 253 ] قال : هي البقر إذا كنست كوانسها .

قال يونس : قال لي عبد الله بن وهب : هي البقر إذا فرت من الذئاب ، فذلك الذي أراد بقوله : كنست كوانسها .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال جرير ، وحدثني الصلت بن راشد ، عن مجاهد مثل ذلك .

حدثني أبو السائب ، قال : ثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، في قوله : ( الجوار الكنس ) قال : هي بقر الوحش .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن مغيرة ، قال : سئل مجاهد ونحن عند إبراهيم ، عن قوله : ( الجوار الكنس ) قال : لا أدري ، فانتهره إبراهيم وقال : لم لا تدري ؟ فقال : إنهم يروون عن علي رضي الله عنه : وكنا نسمع أنها البقر ، فقال إبراهيم : هي البقر ، الجواري الكنس : حجرة بقر الوحش التي تأوي إليها ، والخنس الجواري : البقر .

حدثنا يعقوب ، قال : ثنا هشيم ، قال : أخبرنا مغيرة ، عن إبراهيم ومجاهد أنهما تذاكرا هذه الآية ( فلا أقسم بالخنس الجوار الكنس ) فقال إبراهيم لمجاهد : قل فيها ما سمعت ، قال : فقال مجاهد : كنا نسمع فيها شيئا ، وناس يقولون : إنها النجوم ، قال : فقال إبراهيم : إنهم يكذبون على علي رضي الله عنه ، هذا كما رووا عن علي رضي الله عنه ، أنه ضمن الأسفل الأعلى ، والأعلى الأسفل .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن المغيرة ، قال : سئل مجاهد عن الجواري الكنس قال : لا أدري يزعمون أنها البقر; قال : فقال إبراهيم : ما لا تدري هي البقر ، قال : يذكرون عن علي رضي الله عنه أنها النجوم ، قال : يكذبون على علي عليه السلام .

وقال آخرون : هي الظباء .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، في قوله : ( فلا أقسم بالخنس الجوار الكنس ) يعني : الظباء .

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن يمان ، عن أشعث بن إسحاق ، عن جعفر ، [ ص: 254 ] عن سعيد بن جبير ( فلا أقسم بالخنس ) قال : الظباء .

حدثني يعقوب ، قال : ثنا ابن علية ، قال : ثنا ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : ( فلا أقسم بالخنس الجوار الكنس ) قال : كنا نقول : ” أظنه قال ” : الظباء ، حتى زعم سعيد بن جبير أنه سأل ابن عباس عنها ، فأعاد عليه قراءتها .

حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( الخنس الجوار الكنس ) يعني الظباء .

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب : أن يقال : إن الله تعالى ذكره أقسم بأشياء تخنس أحيانا : أي تغيب ، وتجري أحيانا وتكنس أخرى ، وكنوسها : أن تأوي في مكانسها ، والمكانس عند العرب : هي المواضع التي تأوي إليها بقر الوحش والظباء ، واحدها : مكنس وكناس ، كما قال الأعشى :

فلما لحقنا الحي أتلع أنس كما أتلعت تحت المكانس ربرب

فهذه جمع مكنس ، وكما قال في الكناس طرفة بن العبد :

كأن كناسي ضالة يكنفانها     وأطر قسي تحت صلب مؤيد

وأما الدلالة على أن الكناس قد يكون للظباء ، فقول أوس بن حجر :

ص: 255 ]

ألم تر أن الله أنزل مزنة     وعفر الظباء في الكناس تقمع

فالكناس في كلام العرب ما وصفت ، وغير منكر أن يستعار ذلك في المواضع التي تكون بها النجوم من السماء ، فإذا كان ذلك كذلك ، ولم يكن في الآية دلالة على أن المراد بذلك النجوم دون البقر ، ولا البقر دون الظباء ، فالصواب أن يعم بذلك كل ما كانت صفته الخنوس أحيانا والجري أخرى ، والكنوس بآنات على ما وصف جل ثناؤه من صفتها .

 

 

 

القول في تأويل قوله تعالى : ( والليل إذا عسعس ( 17 ) والصبح إذا تنفس ( 18 ) إنه لقول رسول كريم ( 19 ) ذي قوة عند ذي العرش مكين ( 20 ) ) .

أقسم ربنا جل ثناؤه بالليل إذا عسعس ، يقول : وأقسم بالليل إذا عسعس .

واختلف أهل التأويل في قوله : ( والليل إذا عسعس ) فقال بعضهم : عني بقوله : ( إذا عسعس ) إذا أدبر .

ذكر من قال ذلك :

حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : ( والليل إذا عسعس ) يقول : إذا أدبر .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( والليل إذا عسعس ) يعني : إذا أدبر .

حدثنا عبد الحميد بن بيان اليشكري ، قال : ثنا محمد بن يزيد ، عن إسماعيل [ ص: 256 ] بن أبي خالد ، عن رجل عن أبي ظبيان ، قال : كنت أتبع علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وهو خارج نحو المشرق ، فاستقبل الفجر ، فقرأ هذه الآية : ( والليل إذا عسعس ) .

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن إدريس ، عن الحسن بن عبيد الله ، عن سعد بن عبيدة ، عن أبي عبد الرحمن ، قال : خرج علي عليه السلام مما يلي باب السوق ، وقد طلع الصبح أو الفجر ، فقرأ : ( والليل إذا عسعس والصبح إذا تنفس ) أين السائل عن الوتر ، نعم ساعة الوتر هذه .

ثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : ( والليل إذا عسعس ) قال : إقباله ، ويقال : إدباره .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( والليل إذا عسعس ) : إذا أدبر .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( إذا عسعس ) قال : إذا أدبر .

حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( إذا عسعس ) إذا أدبر .

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن مسعر ، عن أبي حصين ، عن أبي عبد الرحمن ، قال : خرج علي عليه السلام بعد ما أذن المؤذن بالصبح ، فقال : ( والليل إذا عسعس والصبح إذا تنفس ) أين السائل عن الوتر ؟ قال : نعم ساعة الوتر هذه .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( والليل إذا عسعس ) قال : عسعس تولى ، وقال : تنفس الصبح من هاهنا ، وأشار إلى المشرق طلاع الفجر .

وقال آخرون : عني بقوله : ( إذا عسعس ) إذا أقبل بظلامه .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن الحسن ( والليل إذا عسعس ) قال : إذا غشي الناس .

حدثنا الحسين بن علي الصدائي ، قال : ثني أبي ، عن الفضيل ، عن عطية ( والليل إذا عسعس ) [ ص: 257 ] قال : أشار بيده إلى المغرب .

وأولى التأويلين في ذلك بالصواب عندي قول من قال : معنى ذلك : إذا أدبر ، وذلك لقوله : ( والصبح إذا تنفس ) فدل بذلك على أن القسم بالليل مدبرا ، وبالنهار مقبلا والعرب تقول : عسعس الليل ، وسعسع الليل : إذا أدبر ، ولم يبق منه إلا اليسير; ومن ذلك قول رؤبة بن العجاج :

يا هند ما أسرع ما تسعسعا ولو رجا تبع الصبا تتبعا

فهذه لغة من قال : سعسع; وأما لغة من قال : عسعس ، فقول علقمة بن قرط :

حتى إذا الصبح لها تنفسا     وانجاب عنها ليلها وعسعسا

يعني أدبر . وقد كان بعض أهل المعرفة بكلام العرب ، يزعم أن عسعس : دنا من أوله وأظلم . وقال الفراء : كان أبو البلاد النحوي ينشد بيتا :

عسعس حتى لو يشاء إدنا     كان له من ضوئه مقبس

يقول : لو يشاء إذ دنا ، ولكنه أدغم الذال في الدال ، قال الفراء : فكانوا يرون أن هذا البيت مصنوع .

وقوله : ( والصبح إذا تنفس ) يقول : وضوء النهار إذا أقبل وتبين .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . [ ص: 258 ]

ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن يمان ، عن أشعث ، عن جعفر ، عن سعيد ، في قوله : ( والصبح إذا تنفس ) قال : إذا نشأ .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( والصبح إذا تنفس ) : إذا أضاء وأقبل .

وقوله : ( إنه لقول رسول كريم ) يقول تعالى ذكره : إن هذا القرآن لتنزيل رسول كريم; يعني : جبريل ، نزله على محمد بن عبد الله .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، أنه كان يقول : ( إنه لقول رسول كريم ) يعني : جبريل .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، أنه كان يقول : ( إنه لقول رسول كريم ) قال : هو جبريل .

وقوله : ( ذي قوة عند ذي العرش مكين ) يقول تعالى ذكره : ذي قوة ، يعني : جبرائيل على ما كلف من أمر غير عاجز ( عند ذي العرش مكين ) يقول : هو مكين عند رب العرش العظيم .

 

 

 

القول في تأويل قوله تعالى : ( مطاع ثم أمين ( 21 ) وما صاحبكم بمجنون ( 22 ) ولقد رآه بالأفق المبين ( 23 ) وما هو على الغيب بضنين ( 24 ) وما هو بقول شيطان رجيم ( 25 ) فأين تذهبون ( 26 ) ) .

يقول تعالى ذكره : ( مطاع ثم ) يعني جبريل صلى الله عليه وسلم ، مطاع في السماء تطيعه الملائكة ( أمين ) يقول : أمين عند الله على وحيه ورسالته وغير ذلك مما ائتمنه عليه .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . [ ص: 259 ]

ذكر من قال ذلك :

حدثني أبو السائب ، قال : ثنا عمر بن شبيب المسلي ، عن إسماعيل بن أبي خالد . عن أبي صالح : ( مطاع ثم أمين ) قال جبريل عليه السلام ، أمين على أن يدخل سبعين سرادقا من نور بغير إذن .

حدثنا محمد بن منصور الطوسي ، قال : ثنا عمر بن شبيب ، قال : ثنا إسماعيل بن أبي خالد ، قال : لا أعلمه إلا عن أبي صالح ، مثله .

حدثنا سليمان بن عمر بن خالد الأقطع ، قال : ثني أبي عمر بن خالد ، عن معقل بن عبيد الله الجزري ، قال : قال ميمون بن مهران في قوله : ( مطاع ثم أمين ) قال : ذاكم جبريل عليه السلام .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، في قوله : ( ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم أمين ) قال : يعني جبريل .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ) مطاع عند الله ( ثم أمين ) .

حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( مطاع ثم أمين ) يعني : جبريل عليه السلام .

وقوله : ( وما صاحبكم بمجنون ) يقول تعالى ذكره : وما صاحبكم أيها الناس محمد بمجنون فيتكلم عن جنة ، ويهذي هذيان المجانين ( بل جاء بالحق وصدق المرسلين ) .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا سليمان بن عمرو بن خالد البرقي ، قال : ثنا أبي عمرو بن خالد ، عن معقل بن عبد الله الجزري ، قال : قال ميمون بن مهران : ( وما صاحبكم بمجنون ) قال : ذاكم محمد صلى الله عليه وسلم .

وقوله : ( ولقد رآه بالأفق المبين ) يقول تعالى ذكره : ولقد رآه أي محمد جبريل صلى الله عليه وسلم في صورته بالناحية التي تبين الأشياء ، فترى من قبلها ، [ ص: 260 ] وذلك من ناحية مطلع الشمس من قبل المشرق .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبى نجيح ، عن مجاهد قوله : ( بالأفق المبين ) الأعلى . قال : بالأفق من نحو ” أجياد ” .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( بالأفق المبين ) قال : كنا نحدث أن الأفق حيث تطلع الشمس .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( ولقد رآه بالأفق المبين ) كنا نحدث أنه الأفق الذي يجيء منه النهار .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( ولقد رآه بالأفق المبين ) قال : رأى جبريل بالأفق المبين .

حدثني عيسى بن عثمان بن عيسى الرملي ، قال : ثنا يحيى بن عيسى ، عن الأعمش ، عن الوليد بن العيزار ، قال : سمعت أبا الأحوص يقول في قول الله : ( ولقد رآه بالأفق المبين ) قال : رأى جبريل له ست مئة جناح في صورته .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن عطاء ، عن عامر ، قال : ما رأى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم في صورته إلا مرة واحدة ، وكان يأتيه في صورة رجل يقال له : دحية ، فأتاه يوم رآه في صورته قد سد الأفق كله ، عليه سندس أخضر معلق الدر ، فذلك قول الله : ( ولقد رآه بالأفق المبين ) وذكر أن هذه الآية في ( إذا الشمس كورت ) ( إنه لقول رسول كريم ) في جبريل ، إلى قوله : ( وما هو على الغيب بضنين ) يعني النبي صلى الله عليه وسلم .

وقوله : ( وما هو على الغيب بضنين ) اختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء المدينة والكوفة ( بضنين ) بالضاد ، بمعنى أنه غير بخيل عليهم بتعليمهم ما علمه الله ، وأنزل إليه من كتابه . وقرأ ذلك بعض المكيين وبعض البصريين وبعض الكوفيين ( بظنين ) بالظاء ، بمعنى أنه غير متهم فيما يخبرهم عن الله من الأنباء .

ذكر من قال ذلك بالضاد ، وتأوله على ما وصفنا من التأويل من أهل التأويل : [ ص: 261 ]

حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن عاصم ، عن زر ( وما هو على الغيب بظنين ) قال : الظنين : المتهم . وفي قراءتكم : ( بضنين ) والضنين : البخيل ، والغيب : القرآن .

حدثنا بشر ، قال : ثنا خالد بن عبد الله الواسطي ، قال : ثنا مغيرة ، عن إبراهيم ( وما هو على الغيب بضنين ) ببخيل .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( وما هو على الغيب بضنين ) قال : ما يضن عليكم بما يعلم .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( وما هو على الغيب بضنين ) قال : إن هذا القرآن غيب ، فأعطاه الله محمدا ، فبذله وعلمه ودعا إليه ، والله ما ضن به رسول الله صلى الله عليه وسلم .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن عاصم ، عن زر ( وما هو على الغيب بظنين ) قال : في قراءتنا بمتهم ، ومن قرأها ( بضنين ) يقول : ببخيل .

حدثنا مهران ، عن سفيان ( وما هو على الغيب بضنين ) قال : ببخيل .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : ( وما هو على الغيب بضنين ) الغيب : القرآن ، لم يضن به على أحد من الناس أداه وبلغه ، بعث الله به الروح الأمين جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأدى جبريل ما استودعه الله إلى محمد ، وأدى محمد ما استودعه الله وجبريل إلى العباد ، ليس أحد منهم ضن ، ولا كتم ، ولا تخرص .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن عطاء ، عن عامر ( وما هو على الغيب بضنين ) يعني النبي صلى الله عليه وسلم .

ذكر من قال ذلك بالظاء ، وتأوله على ما ذكرنا من أهل التأويل .

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا المحاربي ، عن جويبر ، عن الضحاك ، عن ابن عباس ، أنه قرأ : ( بظنين ) قال : ليس بمتهم .

حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن أبي المعلى ، عن سعيد بن جبير أنه كان يقرأ هذا الحرف ( وما هو على الغيب بظنين ) فقلت [ ص: 262 ] لسعيد بن جبير : ما الظنين ؟ قال : ليس بمتهم .

حدثني يعقوب ، قال : ثنا ابن علية ، عن أبي المعلى ، عن سعيد بن جبير أنه قرأ : ( وما هو على الغيب بظنين ) قلت : وما الظنين ؟ قال : المتهم .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( وما هو على الغيب بظنين ) يقول : ليس بمتهم على ما جاء به ، وليس يظن بما أوتي .

حدثنا بشر ، قال : ثنا خالد بن عبد الله الواسطي ، قال : ثنا المغيرة ، عن إبراهيم ( وما هو على الغيب بظنين ) قال : بمتهم .

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن عاصم ، عن زر ( وما هو على الغيب بظنين ) قال : الغيب : القرآن . وفي قراءتنا ( بظنين ) متهم .

حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( بظنين ) قال : ليس على ما أنزل الله بمتهم .

وقد تأول ذلك بعض أهل العربية أن معناه : وما هو على الغيب بضعيف ، ولكنه محتمل له مطيق ، ووجهه إلى قول العرب للرجل الضعيف : هو ظنون .

وأولى القراءتين في ذلك عندي بالصواب : ما عليه خطوط مصاحف المسلمين متفقة ، وإن اختلفت قراءتهم به ، وذلك ( بضنين ) بالضاد ، لأن ذلك كله كذلك في خطوطها . فإذا كان ذلك كذلك ، فأولى التأويلين بالصواب في ذلك : تأويل من تأوله ، وما محمد على ما علمه الله من وحيه وتنزيله ببخيل بتعليمكموه أيها الناس ، بل هو حريص على أن تؤمنوا به وتتعلموه .

وقوله : ( وما هو بقول شيطان رجيم ) يقول تعالى ذكره : وما هذا القرآن بقول شيطان ملعون مطرود ، ولكنه كلام الله ووحيه .

وقوله : ( فأين تذهبون ) ؟ يقول تعالى ذكره : فأين تذهبون عن هذا القرآن وتعدلون عنه .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( فأين تذهبون ) [ ص: 263 ] يقول : فأين تعدلون عن كتابي وطاعتي . وقيل : ( فأين تذهبون ) ولم يقل : فإلى أين تذهبون ، كما يقال : ذهبت الشأم وذهبت السوق . وحكي عن العرب سماعا : انطلق به الغور ، على معنى إلغاء الصفة ، وقد ينشد لبعض بني عقيل :

تصيح بنا حنيفة إذ رأتنا وأي الأرض تذهب للصياح

بمعنى : إلى أي الأرض تذهب واستجيز إلغاء الصفة في ذلك للاستعمال .

 

 

القول في تأويل قوله تعالى : ( إن هو إلا ذكر للعالمين ( 27 ) لمن شاء منكم أن يستقيم ( 28 ) وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين ( 29 ) ) .

يقول تعالى ذكره : ( إن ) هذا القرآن ، وقوله : ( هو ) من ذكر القرآن ( إلا ذكر للعالمين ) يقول : إلا تذكرة وعظة للعالمين من الجن والإنس ( لمن شاء منكم أن يستقيم ) فجعل ذلك تعالى ذكره ذكرا لمن شاء من العالمين أن يستقيم ، ولم يجعله ذكرا لجميعهم ، فاللام في قوله : ( لمن شاء منكم ) إبدال من اللام في للعالمين . وكان معنى الكلام : إن هو إلا ذكر لمن شاء منكم أن يستقيم على سبيل الحق فيتبعه ، ويؤمن به .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، [ ص: 264 ] قوله : ( لمن شاء منكم أن يستقيم ) قال : يتبع الحق .

وقوله : ( وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين ) يقول تعالى ذكره : وما تشاءون أيها الناس الاستقامة على الحق ، إلا أن يشاء الله ذلك .

وذكر أن السبب الذي من أجله نزلت هذه الآية ، ما حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن سعيد بن عبد العزيز ، عن سليمان بن موسى لما نزلت ( لمن شاء منكم أن يستقيم ) قال أبو جهل ذلك إلينا ، إن شئنا استقمنا ، فنزلت : ( وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين ) .

حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن سعيد بن عبد العزيز ، عن سليمان بن موسى ، قال : لما نزلت هذه الآية ( لمن شاء منكم أن يستقيم ) قال أبو جهل : الأمر إلينا ، إن شئنا استقمنا ، وإن شئنا لم نستقم ، فأنزل الله : ( وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين ) .

حدثني ابن البرقي ، قال : ثنا عمرو بن أبي سلمة ، عن سعيد ، عن سليمان بن موسى ، قال : لما نزلت هذه الآية : ( لمن شاء منكم أن يستقيم ) قال أبو جهل : ذلك إلينا ، إن شئنا استقمنا ، وإن شئنا لم نستقم ، فأنزل الله : ( وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين ) .

آخر تفسير سورة ( إذا الشمس كورت )

اترك تعليقاً