سورة المدثر مكتوبة كاملة بالتشكيل
يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡمُدَّثِّرُ قُمۡ فَأَنذِرۡ وَرَبَّكَ فَكَبِّرۡ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرۡ وَٱلرُّجۡزَ فَٱهۡجُرۡ وَلَا تَمۡنُن تَسۡتَكۡثِرُ وَلِرَبِّكَ فَٱصۡبِرۡ فَإِذَا نُقِرَ فِي ٱلنَّاقُورِ فَذَٰلِكَ يَوۡمَئِذٖ يَوۡمٌ عَسِيرٌ عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ غَيۡرُ يَسِيرٖ ذَرۡنِي وَمَنۡ خَلَقۡتُ وَحِيدٗا وَجَعَلۡتُ لَهُۥ مَالٗا مَّمۡدُودٗا وَبَنِينَ شُهُودٗا وَمَهَّدتُّ لَهُۥ تَمۡهِيدٗا ثُمَّ يَطۡمَعُ أَنۡ أَزِيدَ كَلَّآۖ إِنَّهُۥ كَانَ لِأٓيَٰتِنَا عَنِيدٗا سَأُرۡهِقُهُۥ صَعُودًا إِنَّهُۥ فَكَّرَ وَقَدَّرَ فَقُتِلَ كَيۡفَ قَدَّرَ ثُمَّ قُتِلَ كَيۡفَ قَدَّرَ ثُمَّ نَظَرَ ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ ثُمَّ أَدۡبَرَ وَٱسۡتَكۡبَرَ فَقَالَ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّا سِحۡرٞ يُؤۡثَرُ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّا قَوۡلُ ٱلۡبَشَرِ سَأُصۡلِيهِ سَقَرَ وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا سَقَرُ لَا تُبۡقِي وَلَا تَذَرُ لَوَّاحَةٞ لِّلۡبَشَرِ عَلَيۡهَا تِسۡعَةَ عَشَرَ وَمَا جَعَلۡنَآ أَصۡحَٰبَ ٱلنَّارِ إِلَّا مَلَٰٓئِكَةٗۖ وَمَا جَعَلۡنَا عِدَّتَهُمۡ إِلَّا فِتۡنَةٗ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ لِيَسۡتَيۡقِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ وَيَزۡدَادَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِيمَٰنٗا وَلَا يَرۡتَابَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَلِيَقُولَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ وَٱلۡكَٰفِرُونَ مَاذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَٰذَا مَثَلٗاۚ كَذَٰلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ مَن يَشَآءُ وَيَهۡدِي مَن يَشَآءُۚ وَمَا يَعۡلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَۚ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكۡرَىٰ لِلۡبَشَرِ كَلَّا وَٱلۡقَمَرِ وَٱلَّيۡلِ إِذۡ أَدۡبَرَ وَٱلصُّبۡحِ إِذَآ أَسۡفَرَ إِنَّهَا لَإِحۡدَى ٱلۡكُبَرِ نَذِيرٗا لِّلۡبَشَرِ لِمَن شَآءَ مِنكُمۡ أَن يَتَقَدَّمَ أَوۡ يَتَأَخَّرَ كُلُّ نَفۡسِۭ بِمَا كَسَبَتۡ رَهِينَةٌ إِلَّآ أَصۡحَٰبَ ٱلۡيَمِينِ فِي جَنَّٰتٖ يَتَسَآءَلُونَ عَنِ ٱلۡمُجۡرِمِينَ مَا سَلَكَكُمۡ فِي سَقَرَ قَالُواْ لَمۡ نَكُ مِنَ ٱلۡمُصَلِّينَ وَلَمۡ نَكُ نُطۡعِمُ ٱلۡمِسۡكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ ٱلۡخَآئِضِينَ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوۡمِ ٱلدِّينِ حَتَّىٰٓ أَتَىٰنَا ٱلۡيَقِينُ فَمَا تَنفَعُهُمۡ شَفَٰعَةُ ٱلشَّٰفِعِينَ فَمَا لَهُمۡ عَنِ ٱلتَّذۡكِرَةِ مُعۡرِضِينَ كَأَنَّهُمۡ حُمُرٞ مُّسۡتَنفِرَةٞ فَرَّتۡ مِن قَسۡوَرَةِۭ بَلۡ يُرِيدُ كُلُّ ٱمۡرِيٕٖ مِّنۡهُمۡ أَن يُؤۡتَىٰ صُحُفٗا مُّنَشَّرَةٗ كَلَّاۖ بَل لَّا يَخَافُونَ ٱلۡأٓخِرَةَ كَلَّآ إِنَّهُۥ تَذۡكِرَةٞ فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُۥ وَمَا يَذۡكُرُونَ إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُۚ هُوَ أَهۡلُ ٱلتَّقۡوَىٰ وَأَهۡلُ ٱلۡمَغۡفِرَةِ
بسم الله الرحمن الرحيم
القول في تأويل قوله تعالى : ( يا أيها المدثر ( 1 ) قم فأنذر ( 2 ) وربك فكبر ( 3 ) وثيابك فطهر ( 4 ) والرجز فاهجر ( 5 ) ولا تمنن تستكثر ( 6 ) ولربك فاصبر ( 7 ) )
يقول جل ثناؤه : ( يا أيها المدثر ) يأيها المتدثر بثيابه عند نومه .
وذكر أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قيل له ذلك ، وهو متدثر بقطيفة .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : ثنا يحيى بن سعيد ، عن شعبة ، عن المغيرة ، عن إبراهيم ( يا أيها المدثر ) قال : كان متدثرا في قطيفة . وذكر أن هذه الآية أول شيء نزل من القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنه قيل له : ( يا أيها المدثر ) .
كما حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب قال : أخبرنا يونس ، عن ابن شهاب ، قال : أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن ، أن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحدث عن فترة الوحي : ” بينا أنا أمشي سمعت صوتا من السماء ، فرفعت رأسي ، فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” فجثثت منه فرقا ، وجئت أهلي فقلت : زملوني زملوني ، فدثروني ” فأنزل الله ( يا أيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر ) إلى قوله : ( والرجز فاهجر ) قال : ثم تتابع الوحي .
حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا الوليد بن مسلم ، قال : ثنا الأوزاعي ، قال : ثني [ ص: 8 ] يحيى بن أبي كثير ، قال : سألت أبا سلمة : أي القرآن أنزل أولا ، فقال : ( يا أيها المدثر ) فقلت : يقولون ( اقرأ باسم ربك الذي خلق ) ، فقال أبو سلمة : سألت جابر بن عبد الله : أي القرآن أنزل أولا ؟ فقال : ( يا أيها المدثر ) ، فقلت : يقولون : ( اقرأ باسم ربك الذي خلق ) فقال : لا أخبرك إلا ما حدثنا النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : جاورت في حراء ; فلما قضيت جواري هبطت ، فاستبطنت الوادي ، فنوديت ، فنظرت عن يميني وعن شمالي وخلفي وقدامي ، فلم أر شيئا ، فنظرت فوق رأسي فإذا هو جالس على عرش بين السماء والأرض ، فخشيت منه ، هكذا قال عثمان بن عمرو ، إنما هو : فجثثت منه ، ولقيت خديجة ، فقلت دثروني ، فدثروني ، وصبوا علي ماء ، فأنزل الله علي ( يا أيها المدثر قم فأنذر ) .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن علي بن مبارك ، عن يحيى بن أبي كثير ، قال سألت أبا سلمة عن أول ما نزل من القرآن ، قال : نزلت ( يا أيها المدثر ) أول; قال : قلت : إنهم يقولون ( اقرأ باسم ربك الذي خلق ) ، فقال : سألت جابر بن عبد الله ، فقال : لا أحدثك إلا ما حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” جاورت بحراء ; فلما قضيت جواري هبطت ، فسمعت صوتا ، فنظرت عن يميني فلم أر شيئا ، ونظرت خلفي فلم أر شيئا ، فرفعت رأسي فرأيت شيئا ، فأتيت خديجة ، فقلت : دثروني وصبوا علي ماء باردا ، فنزلت ( يا أيها المدثر ) .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن الزهري ، قال : فتر الوحي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فترة ، فحزن حزنا ، فجعل يعدو إلى شواهق رءوس الجبال ليتردى منها ، فكلما أوفى بذروة جبل تبدى له جبريل عليه السلام فيقول : إنك نبي الله ، فيسكن جأشه ، وتسكن نفسه ، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يحدث عن ذلك ، قال : ” بينما أنا أمشي يوما إذ رأيت الملك الذي كان يأتيني بحراء على كرسي بين السماء والأرض ، فجثثت منه رعبا ، فرجعت إلى خديجة فقلت : ” زملوني ” ، فزملناه : أي فدثرناه ، فأنزل الله : ( يا أيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر وثيابك فطهر ) قال الزهري : فكان أول شيء أنزل عليه : ( اقرأ باسم ربك الذي خلق ) حتى بلغ ( ما لم يعلم ) .
واختلف أهل التأويل في معنى قوله : ( يا أيها المدثر ) ، فقال بعضهم : معنى [ ص: 9 ] ذلك : يأيها النائم في ثيابه .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله ( يا أيها المدثر ) قال : يأيها النائم .
حدثنا بشر ، ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( يا أيها المدثر ) يقول : المتدثر في ثيابه .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : يأيها المتدثر النبوة وأثقالها .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا عبد الأعلى ، قال : وسئل داود عن هذه الآية ( يا أيها المدثر ) فحدثنا عن عكرمة أنه قال : دثرت هذا الأمر فقم به .
وقوله : ( قم فأنذر ) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قم من نومك فأنذر عذاب الله قومك الذين أشركوا بالله ، وعبدوا غيره .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( قم فأنذر ) : أي أنذر عذاب الله ووقائعه في الأمم ، وشدة نقمته .
وقوله : ( وربك فكبر ) يقول تعالى ذكره : وربك يا محمد فعظم بعبادته ، والرغبة إليه في حاجاتك دون غيره من الآلهة والأنداد .
وقوله : ( وثيابك فطهر ) اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : معنى ذلك : لا تلبس ثيابك على معصية ، ولا على غدرة .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ( وثيابك فطهر ) قال : أما سمعت قول غيلان بن سلمة :
وإني بحمد الله لا ثوب فاجر
لبست ولا من غدرة أتقنع
[ ص: 10 ]
حدثنا أبو كريب : قال : ثنا مصعب بن سلام ، عن الأجلح ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : أتاه رجل وأنا جالس فقال : أرأيت قول الله : ( وثيابك فطهر ) قال : لا تلبسها على معصية ولا على غدرة ، ثم قال : أما سمعت قول غيلان بن سلمة الثقفي :
وإني بحمد الله لا ثوب فاجر
لبست ولا من غدرة أتقنع
حدثنا سعيد بن يحيى ، قال : ثنا حفص بن غياث ، عن الأجلح ، عن عكرمة ، قوله : ( وثيابك فطهر ) قال : لا تلبسها على غدرة ، ولا على فجرة ثم تمثل بشعر غيلان بن سلمة هذا .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، قال : ثنا سفيان ، عن الأجلح بن عبد الله الكندي ، عن عكرمة ( وثيابك فطهر ) قال : لا تلبس ثيابك على معصية ، ألم تسمع قول غيلان بن سلمة الثقفي :
وإني بحمد الله لا ثوب فاجر
لبست ولا من غدرة أتقنع
حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة ، قال : ثنا حجاج ، قال ابن جريج : أخبرني عطاء ، أنه سمع ابن عباس يقول : ( وثيابك فطهر ) قال : من الإثم ، ثم قال : نقي الثياب في كلام العرب .
حدثنا سعيد بن يحيى ، قال : ثنا حفص بن غياث القاضي ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، عن ابن عباس ، قوله : ( وثيابك فطهر ) قال : في كلام العرب : نقي الثياب .
حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا يحيى بن سعيد ، عن شعبة ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ( وثيابك فطهر ) قال : من الذنوب .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا يحيى بن سعيد ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، عن ابن عباس ( وثيابك فطهر ) قال : من الذنوب . [ ص: 11 ]
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( وثيابك فطهر ) قال : هي كلمة من العربية كانت العرب تقولها : طهر ثيابك : أي من الذنوب .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( وثيابك فطهر ) يقول : طهرها من المعاصي ، فكانت العرب تسمي الرجل إذا نكث ولم يف بعهد أنه دنس الثياب ، وإذا وفى وأصلح قالوا : مطهر الثياب .
حدثنا ابن حميد ، قال ثنا مهران ، عن سفيان ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، عن ابن عباس : ( وثيابك فطهر ) قال : من الإثم .
قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ( وثيابك فطهر ) قال : من الإثم .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( وثيابك فطهر ) يقول : لا تلبس ثيابك على معصية .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، عن ابن عباس ( وثيابك فطهر ) قال : من الإثم .
قال ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، قال : من الإثم .
قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن الأجلح ، سمع عكرمة قال : لا تلبس ثيابك على معصية .
قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن جابر ، عن عامر وعطاء قالا من الخطايا .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : لا تلبس ثيابك من مكسب غير طيب .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ( وثيابك فطهر ) قال : لا تكن ثيابك التي تلبس من مكسب غير طائب ، ويقال : لا تلبس ثيابك على معصية .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : أصلح عملك . [ ص: 12 ]
ذكر من قال ذلك :
حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي ، قال : ثنا فضيل بن عياض ، عن منصور ، عن مجاهد ، في قوله : ( وثيابك فطهر ) قال : عملك فأصلح . [ ص: 12 ]
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن منصور ، عن أبي رزين في قوله : ( وثيابك فطهر ) قال : عملك فأصلحه ، وكان الرجل إذا كان خبيث العمل ، قالوا : فلان خبيث الثياب ، وإذا كان حسن العمل قالوا : فلان طاهر الثياب .
وقال آخرون في ذلك ما حدثنا محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى; وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( وثيابك فطهر ) قال : لست بكاهن ولا ساحر ، فأعرض عما قالوا .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : اغسلها بالماء ، وطهرها من النجاسة .
ذكر من قال ذلك :
حدثني عباس بن أبي طالب ، قال : ثنا علي بن عبد الله بن جعفر ، عن أحمد بن موسى بن أبى مريم صاحب اللؤلؤ ، قال : أخبرنا ابن عون ، عن محمد بن سيرين ( وثيابك فطهر ) قال : اغسلها بالماء .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( وثيابك فطهر ) قال : كان المشركون لا يتطهرون ، فأمره أن يتطهر ، ويطهر ثيابه .
وهذا القول الذي قاله ابن سيرين وابن زيد في ذلك أظهر معانيه ، والذي قاله ابن عباس ، وعكرمة وابن زكريا قول عليه أكثر السلف من أنه عني به : جسمك فطهر من الذنوب ، والله أعلم بمراده من ذلك .
( والرجز فاهجر ) اختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأه بعض قراء المدينة وعامة قراء الكوفة : ( والرجز ) بكسر الراء ، وقرأه بعض المكيين والمدنيين ( والرجز ) بضم الراء ، فمن ضم الراء وجهه إلى الأوثان ، وقال : معنى الكلام : والأوثان فاهجر عبادتها ، واترك خدمتها ، ومن كسر الراء وجهه إلى العذاب ، وقال : معناه : والعذاب فاهجر ، أي ما أوجب لك العذاب من الأعمال فاهجر .
والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب ، والضم والكسر في ذلك لغتان بمعنى واحد ، ولم نجد أحدا من متقدمي أهل التأويل فرق بين تأويل ذلك ، وإنما فرق بين ذلك فيما بلغنا الكسائي .
واختلف أهل التأويل في معنى ( الرجز ) في هذا الموضع ، فقال بعضهم : هو الأصنام . [ ص: 13 ]
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، في قوله : ( والرجز فاهجر ) يقول : السخط وهو الأصنام .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( والرجز فاهجر ) قال : الأوثان .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن إسرائيل – قال أبو جعفر : أحسبه أنا – عن جابر ، عن مجاهد وعكرمة ( والرجز فاهجر ) قال : الأوثان .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( والرجز فاهجر ) : إساف ونائلة ، وهما صنمان كانا عند البيت يمسح وجوههما من أتى عليهما ، فأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يجتنبهما ويعتزلهما .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن الزهري ( والرجز فاهجر ) قال : هي الأوثان .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( والرجز فاهجر ) قال : الرجز : آلهتهم التي كانوا يعبدون ; أمره أن يهجرها ، فلا يأتيها ، ولا يقربها .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : والمعصية والإثم فاهجر .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ( والرجز فاهجر ) قال : الإثم .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( والرجز فاهجر ) يقول : اهجر المعصية . وقد بينا معنى الرجز فيما مضى بشواهده المغنية عن إعادتها في هذا الموضع .
وقوله : ( ولا تمنن تستكثر ) اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : معنى ذلك : ولا تعط يا محمد عطية لتعطى أكثر منها .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثنى أبي ، [ ص: 14 ] عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( ولا تمنن تستكثر ) قال : لا تعط عطية تلتمس بها أفضل منها .
حدثنا أبو حميد الحمصي أحمد بن المغيرة ، قال : ثني أبو حيوة شريح بن يزيد الحضرمي ، قال : ثني أرطاة عن ضمرة بن حبيب وأبي الأحوص في قوله : ( ولا تمنن تستكثر ) قال : لا تعط شيئا ، لتعطى أكثر منه .
حدثني يعقوب ، قال : ثنا ابن علية ، عن أبي رجاء ، عن عكرمة ، في قوله : ( ولا تمنن تستكثر ) قال : لا تعط شيئا لتعطى أكثر منه .
حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، قال : أخبرني من سمع عكرمة يقول : ( ولا تمنن تستكثر ) قال : لا تعط العطية لتريد أن تأخذ أكثر منها .
حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي ، قال : ثنا فضيل ، عن منصور ، عن إبراهيم ( ولا تمنن تستكثر ) قال : لا تعط كيما تزداد .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا سفيان ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، في قوله : ( ولا تمنن تستكثر ) قال : لا تعط شيئا لتأخذ أكثر منه .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن سلمة ، عن الضحاك ( ولا تمنن تستكثر ) قال : لا تعط لتعطى أكثر منه .
قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، في قوله : ( ولا تمنن تستكثر ) قال : لا تعط لتعطى أكثر منه .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن منصور ، عن إبراهيم ، في قوله : ( ولا تمنن تستكثر ) قال : لا تعط شيئا لتزداد .
حدثنا أبو كريب قال : ثنا وكيع ، عن ابن أبي رواد ، عن الضحاك ، قال : هو الربا الحلال ، كان للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن أبي حجيرة ، عن الضحاك ، هما ربوان : حلال ، وحرام ; فأما الحلال : فالهدايا ، والحرام : فالربا .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( ولا تمنن تستكثر ) يقول : لا تعط شيئا ، إنما بك مجازاة الدنيا ومعارضها .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( ولا تمنن [ ص: 15 ] تستكثر ) قال : لا تعط شيئا لتثاب أفضل منه ، وقاله أيضا طاوس .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( ولا تمنن تستكثر ) قال : تعطي مالا مصانعة رجاء أفضل منه من الثواب في الدنيا .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، قال : لا تعط لتعطى أكثر منه .
قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم ( ولا تمنن تستكثر ) قال : لا تعط لتزداد .
قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن رجل ، عن الضحاك بن مزاحم ( ولا تمنن تستكثر ) قال : هي للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة ، وللناس عامة موسع عليهم .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : ولا تمنن عملك على ربك تستكثر .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا مجاهد بن موسى ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سفيان بن حسين ، عن الحسن ، في قوله : ( ولا تمنن تستكثر ) قال : لا تمنن عملك تستكثره على ربك .
حدثنا محمد بن بشار ، قال : ثنا هوذة ، قال : ثنا عوف ، عن الحسن ( ولا تمنن تستكثر ) قال : لا تمنن تستكثر عملك .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يحيى بن واضح ، قال : ثنا يونس بن نافع أبو غانم ، عن أبي سهل كثير بن زياد ، عن الحسن ( ولا تمنن تستكثر ) يقول : لا تمنن تستكثر عملك الصالح .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن أبي جعفر ، عن الربيع بن أنس ( ولا تمنن تستكثر ) قال : لا يكثر عملك في عينك ، فإنه فيما أنعم الله عليك وأعطاك قليل .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : لا تضعف أن تستكثر من الخير . ووجهوا معنى قوله : ( ولا تمنن ) أي لا تضعف ، من قولهم : حبل منين : إذا كان ضعيفا .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو حميد بن المغيرة الحمصي ، قال : ثنا عبد الله بن عمرو ، قال : ثنا [ ص: 16 ] محمد بن سلمة ، عن خصيف عن مجاهد ، في قوله : ( ولا تمنن تستكثر ) قال : لا تضعف أن تستكثر من الخير ، قال : تمنن في كلام العرب : تضعف .
وقال آخرون في ذلك : لا تمنن بالنبوة على الناس ، تأخذ عليه منهم أجرا .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( ولا تمنن تستكثر ) قال : لا تمنن بالنبوة والقرآن الذي أرسلناك به تستكثرهم به ، تأخذ عليه عوضا من الدنيا .
وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب في ذلك قول من قال : معنى ذلك : ولا تمنن على ربك من أن تستكثر عملك الصالح .
وإنما قلت ذلك أولى بالصواب ، لأن ذلك في سياق آيات تقدم فيهن أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بالجد في الدعاء إليه ، والصبر على ما يلقى من الأذى فيه ، فهذه بأن تكون من أنواع تلك ، أشبه منها بأن تكون من غيرها . وذكر عن عبد الله بن مسعود أن ذلك في قراءته ( ولا تمنن أن تستكثر ) .
وقوله : ( ولربك فاصبر ) يقول تعالى ذكره : ولربك فاصبر على ما لقيت فيه من المكروه .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل على اختلاف فيه بين أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( ولربك فاصبر ) قال : على ما أوتيت .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( ولربك فاصبر ) قال : حمل أمرا عظيما محاربة العرب ، ثم العجم من بعد العرب في الله .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : ولربك فاصبر على عطيتك . [ ص: 17 ]
ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ( ولربك فاصبر ) قال : اصبر على عطيتك .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، قال : اصبر على عطيتك لله .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا سفيان ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، في قوله : ( ولربك فاصبر ) قال : عطيتك اصبر عليها .
القول في تأويل قوله تعالى : ( فإذا نقر في الناقور ( 8 ) فذلك يومئذ يوم عسير ( 9 ) على الكافرين غير يسير ( 10 ) ذرني ومن خلقت وحيدا ( 11 ) وجعلت له مالا ممدودا ( 12 ) ) .
يعني جل ثناؤه بقوله : ( فإذا نفخ في الصور ) فذلك يومئذ يوم شديد .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن فضيل وأسباط ، عن مطرف ، عن عطية العوفي ، عن ابن عباس ، في قوله : ( فإذا نقر في الناقور فذلك يومئذ يوم عسير ) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن وحنى جبهته يستمع متى يؤمر ينفخ فيه ” ، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : كيف نقول ؟ فقال : تقولون : حسبنا الله ونعم الوكيل ، على الله توكلنا ” .
حدثني يعقوب ، قال : ثنا ابن علية ، قال : أخبرنا أبو رجاء ، عن عكرمة ، في قوله : ( فإذا نقر في الناقور ) قال : إذا نفخ في الصور .
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : ثنا أبو النعمان الحكم بن عبد الله ، قال : ثنا شعبة ، عن أبي رجاء ، عن عكرمة ، في قوله : ( فإذا نقر في الناقور ) مثله .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن شريك ، عن جابر ، عن مجاهد ( فإذا نقر في الناقور ) قال : إذا نفخ في الصور . [ ص: 18 ]
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( فإذا نقر في الناقور ) قال : في الصور ، قال : هو شيء كهيئة البوق .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( فإذا نقر في الناقور ) قال : هو يوم ينفخ في الصور الذي ينفخ فيه ، قال ابن عباس : إن نبي الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى أصحابه ، فقال : ” كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن ، وحنى جبهته ، ثم أقبل بأذنه يستمع متى يؤمر بالصيحة ؟ فاشتد ذلك على أصحابه ، فأمرهم أن يقولوا : حسبنا الله ونعم الوكيل ، على الله توكلنا ” .
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : ( فإذا نقر في الناقور ) يقول : الصور .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، قال الحسن : ( فإذا نقر في الناقور ) قال : إذا نفخ في الصور .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( فإذا نقر في الناقور ) والناقور : الصور ، والصور : الخلق .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول ، في قوله : : ( فإذا نقر في الناقور ) يعني : الصور .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا حكام ، عن أبي جعفر ، عن الربيع ، قوله : ( فإذا نقر في الناقور ) قال : الناقور : الصور .
حدثنا مهران ، عن أبي جعفر ، عن الربيع ، مثله .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( فإذا نقر في الناقور ) قال : الصور .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : ( فذلك يومئذ يوم عسير ) يقول : شديد . [ ص: 19 ]
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قال الله تعالى ذكره ( فذلك يومئذ يوم عسير ) فبين الله على من يقع ( على الكافرين غير يسير ) .
وقوله : ( ذرني ومن خلقت وحيدا ) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : كل يا محمد أمر الذي خلقته في بطن أمه وحيدا ، لا شيء له من مال ولا ولد إلي .
وذكر أنه عني بذلك : الوليد بن المغيرة المخزومي .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا سفيان ، قال : ثنا وكيع ، قال : ثنا يونس بن بكير ، عن محمد بن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد ، مولى زيد ، عن سعيد بن جبير أو عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : أنزل الله في الوليد بن المغيرة قوله : ( ذرني ومن خلقت وحيدا ) وقوله : ( فوربك لنسألنهم أجمعين ) إلى آخرها .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( ذرني ومن خلقت وحيدا ) قال : خلقته وحده ليس معه مال ولا ولد .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن محمد بن شريك ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( ذرني ومن خلقت وحيدا ) قال : نزلت في الوليد بن المغيرة ، وكذلك الخلق كلهم .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( ذرني ومن خلقت وحيدا ) وهو الوليد بن المغيرة ، أخرجه الله من بطن أمه وحيدا ، لا مال له ولا ولد ، فرزقه الله المال والولد ، والثروة والنماء .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : ( ذرني ومن خلقت وحيدا ) إلى قوله : ( إن هذا إلا سحر يؤثر ) حتى بلغ ( سأصليه سقر ) قال : هذه الآية أنزلت في الوليد بن المغيرة .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( ذرني ومن خلقت وحيدا ) يعني الوليد بن المغيرة ( وجعلت له مالا ممدودا ) .
اختلف أهل التأويل في هذا المال الذي ذكره الله ، وأخبر أنه جعله للوحيد ما [ ص: 20 ] هو ؟ وما مبلغه ؟ فقال بعضهم : كان ذلك دنانير ، ومبلغها ألف دينار .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن إسماعيل بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن مجاهد ( وجعلت له مالا ممدودا ) قال : كان ماله ألف دينار .
حدثنا صالح بن مسمار المروزي ، قال : ثنا الحارث بن عمران الكوفي ، قال : ثنا محمد بن سوقة ، عن سعيد بن جبير ، في قوله : ( وجعلت له مالا ممدودا ) قال : ألف دينار .
وقال آخرون : كان ماله أربعة آلاف دينار .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ( وجعلت له مالا ممدودا ) قال : بلغني أنه أربعة آلاف دينار .
وقال آخرون : كان ماله أرضا .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن المثنى ، قال : ثني وهب بن جرير ، قال : ثنا شعبة ، عن النعمان بن سالم ، في قوله : ( وجعلت له مالا ممدودا ) قال : الأرض .
حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي ، قال : ثنا وهب بن جرير ، قال : ثنا شعبة ، عن النعمان بن سالم ، مثله .
وقال آخرون : كان ذلك غلة شهر بشهر .
ذكر من قال ذلك :
حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة ، قال : ثنا حلبس ، إمام مسجد ابن علية ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، عن عمر رضي الله عنه ، في قوله : ( وجعلت له مالا ممدودا ) قال : غلة شهر بشهر .
حدثني أبو حفص الحيري ، قال : ثنا حلبس الضبعي ، عن ابن جريج ، عن عطاء مثله ، ولم يقل : عن عمر .
حدثنا أحمد بن الوليد الرملي ، قال : ثنا غالب بن حلبس ، قال : ثنا أبي ، عن ابن جريج ، عن عطاء مثله ، ولم يقل : عن عمر . [ ص: 21 ]
حدثنا أحمد بن الوليد ، قال : ثنا أبو بكر عياش ، قال : ثنا حلبس بن محمد العجلي ، عن ابن جريج عن عطاء ، عن عمر ، مثله .
والصواب من القول في ذلك أن يقال كما قال الله : ( وجعلت له مالا ممدودا ) وهو الكثير الممدود ، عدده أو مساحته .
القول في تأويل قوله تعالى : ( وبنين شهودا ( 13 ) ومهدت له تمهيدا ( 14 ) ثم يطمع أن أزيد ( 15 ) كلا إنه كان لآياتنا عنيدا ( 16 ) سأرهقه صعودا ( 17 ) ) .
يقول تعالى ذكره : وجعلت له بنين شهودا ، ذكر أنهم كانوا عشرة .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن إسماعيل بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن مجاهد ( وبنين شهودا ) قال : كان بنوه عشرة .
وقوله : ( ومهدت له تمهيدا ) يقول تعالى ذكره : وبسطت له في العيش بسطا .
كما حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ( ومهدت له تمهيدا ) قال : بسط له .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( ومهدت له تمهيدا ) قال : من المال والولد .
وقوله : ( ثم يطمع أن أزيد ) يقول تعالى ذكره : ثم يأمل ويرجو أن أزيده من المال والولد على ما أعطيته ( كلا ) يقول : ليس ذلك كما يأمل ويرجو من أن أزيده مالا وولدا ، وتمهيدا في الدنيا ( إنه كان لآياتنا عنيدا ) يقول : إن هذا الذي خلقته وحيدا كان لآياتنا – وهي حجج الله على خلقه من الكتب والرسل – عنيدا ، يعني معاندا للحق مجانبا له ، كالبعير العنود ; ومنه قول القائل :
إذا نزلت فاجعلاني وسطا
إني كبير لا أطيق العندا
[ ص: 22 ]
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : ( إنه كان لآياتنا عنيدا ) قال : جحودا .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( إنه كان لآياتنا عنيدا ) قال محمد بن عمرو : معاندا لها . وقال الحارث : معاندا عنها ، مجانبا لها .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن إسرائيل ، عن جابر ، عن مجاهد ، قوله : ( عنيدا ) قال : معاندا للحق مجانبا .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( إنه كان لآياتنا عنيدا ) كفورا بآيات الله جحودا بها .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ( لآياتنا عنيدا ) قال : مشاقا ، وقيل : عنيدا ، وهو من عاند معاندة فهو معاند ، كما قيل : عام قابل ، وإنما هو مقبل .
وقوله : ( سأرهقه صعودا ) يقول تعالى ذكره : سأكلفه مشقة من العذاب لا راحة له منها .
وقيل : إن الصعود جبل في النار يكلف أهل النار صعوده .
ذكر الرواية بذلك :
حدثني محمد بن عمارة الأسدي ، قال : ثنا محمد بن سعيد بن زائدة ، قال : ثنا شريك ، عن عمارة ، عن عطية ، عن أبي سعيد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ( سأرهقه صعودا ) قال : هو جبل في النار من نار ، يكلفون أن يصعدوه ، فإذا وضع [ ص: 23 ] يده ذابت ، فإذا رفعها عادت ، فإذا وضع رجله كذلك .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : ثني عمرو بن الحارث ، عن دراج ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد الخدري ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” الصعود جبل من نار يصعد فيه سبعين خريفا ثم يهوي كذلك منه أبدا ” .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( سأرهقه صعودا ) قال : مشقة من العذاب .
حدثني الحارث ، قال : ثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( سأرهقه صعودا ) أي عذابا لا راحة منه .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا سليمان قال : ثنا أبو هلال ، عن قتادة ( سأرهقه صعودا ) قال : مشقة من العذاب .
حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( سأرهقه صعودا ) قال : تعبا من العذاب .
القول في تأويل قوله تعالى : ( إنه فكر وقدر ( 18 ) فقتل كيف قدر ( 19 ) ثم قتل كيف قدر ( 20 ) ثم نظر ( 21 ) ثم عبس وبسر ( 22 ) ثم أدبر واستكبر ( 23 ) فقال إن هذا إلا سحر يؤثر ( 24 ) إن هذا إلا قول البشر ( 25 ) ) .
يقول تعالى ذكره : إن هذا الذي خلقته وحيدا ، فكر فيما أنزل على عبده محمد صلى الله عليه وسلم من القرآن ، وقدر فيما يقول فيه ( فقتل كيف قدر ) يقول : ثم لعن كيف قدر النازل فيه ( ثم نظر ) يقول : ثم روى في ذلك ( ثم عبس ) يقول : ثم قبض ما بين عينيه ( وبسر ) يقول : كلح وجهه; ومنه قول توبة بن الحمير :
وقد رابني منها صدود رأيته وإعراضها عن حاجتي وبسورها
[ ص: 24 ] وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل ، وجاءت الأخبار عن الوحيد أنه فعل .
ذكر الرواية بذلك :
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر عن عباد بن منصور ، عن عكرمة ، أن الوليد بن المغيرة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقرأ عليه القرآن ، فكأنه رق له ، فبلغ ذلك أبا جهل ، فقال : أي عم إن قومك يريدون أن يجمعوا لك مالا قال : لم ؟ قال : يعطونكه فإنك أتيت محمدا تتعرض لما قبله ، قال : قد علمت قريش أني أكثرها مالا قال : فقل فيه قولا يعلم قومك أنك منكر لما قال ، وأنك كاره له; قال : فما أقول فيه ، فوالله ما منكم رجل أعلم بالأشعار مني ، ولا أعلم برجزه مني ، ولا بقصيده ، ولا بأشعار الجن ، والله ما يشبه الذي يقول شيئا من هذا ، ووالله إن لقوله لحلاوة ، وإنه ليحطم ما تحته ، وإنه ليعلو ولا يعلى ، قال : والله لا يرضى قومك حتى تقول فيه ، قال : فدعني حتى أفكر فيه; فلما فكر قال : هذا سحر يأثره عن غيره ، فنزلت ( ذرني ومن خلقت وحيدا ) قال قتادة : خرج من بطن أمه وحيدا ، فنزلت هذه الآية حتى بلغ تسعة عشر .
حدثني محمد بن سعيد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( إنه فكر وقدر ) إلى ( ثم عبس وبسر ) قال : دخل الوليد بن المغيرة على أبي بكر بن أبي قحافة رضي الله عنه ، يسأله عن القرآن ، فلما أخبره خرج على قريش فقال : يا عجبا لما يقول ابن أبي كبشة ، فوالله ما هو بشعر ، ولا بسحر ، ولا بهذي من الجنون ، وإن قوله لمن كلام الله ، فلما سمع بذلك النفر من قريش ائتمروا وقالوا : والله لئن صبأ الوليد لتصبأن قريش ، فلما سمع بذلك أبو جهل قال : أنا والله أكفيكم شأنه ، فانطلق حتى دخل عليه بيته ، فقال للوليد : ألم تر قومك قد جمعوا لك الصدقة قال : ألست أكثرهم مالا وولدا ؟ فقال له أبو جهل : [ ص: 25 ] يتحدثون أنك إنما تدخل على ابن أبي قحافة لتصيب من طعامه ، قال الوليد : أقد تحدثت به عشيرتي ، فلا يقصر عن سائر بني قصي ، لا أقرب أبا بكر ولا عمر ولا ابن أبي كبشة ، وما قوله إلا سحر يؤثر ، فأنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم : ( ذرني ومن خلقت وحيدا ) إلى ( لا تبقي ولا تذر ) .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( إنه فكر وقدر ) ، زعموا أنه قال : والله لقد نظرت فيما قال هذا الرجل ، فإذا هو ليس له بشعر ، وإن له لحلاوة ، وإن عليه لطلاوة ، وإنه ليعلو وما يعلى ، وما أشك أنه سحر ، فأنزل الله فيه : ( فقتل كيف قدر ) الآية ( ثم عبس وبسر ) : قبض ما بين عينيه وكلح .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( فكر وقدر ) قال : الوليد بن المغيرة يوم دار الندوة .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( ذرني ومن خلقت وحيدا ) يعني الوليد بن المغيرة ، دعاه نبي الله صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام ، فقال : حتى أنظر ، ففكر ( ثم عبس وبسر ثم أدبر واستكبر فقال إن هذا إلا سحر يؤثر ) فجعل الله له سقر .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : ( ذرني ومن خلقت وحيدا وجعلت له مالا ممدودا ) إلى قوله : ( إن هذا إلا سحر يؤثر ) قال : هذا الوليد بن المغيرة قال : سأبتار لكم هذا الرجل الليلة ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم ، فوجده قائما يصلي ويقترئ ، وأتاهم فقالوا : مه ، قال : سمعت قولا حلوا أخضر مثمرا يأخذ بالقلوب ، فقالوا : هو شعر ، فقال : لا والله ما هو بالشعر ، ليس أحد أعلم بالشعر مني ، أليس قد عرضت علي الشعراء شعرهم نابغة وفلان وفلان ؟ قالوا : فهو كاهن ، فقال : لا والله ما هو بكاهن ، قد عرضت علي الكهانة ، قالوا : فهذا سحر الأولين اكتتبه ، قال : لا أدري إن كان شيئا فعسى هو إذا سحر يؤثر ، فقرأ : ( فقتل كيف قدر ثم قتل كيف قدر ) قال : قتل كيف قدر حين قال : ليس بشعر ، ثم قتل كيف قدر حين قال : ليس بكهانة .
وقوله : ( ثم أدبر واستكبر ) يقول تعالى ذكره : ثم ولى عن الإيمان والتصديق [ ص: 26 ] بما أنزل الله من كتابه ، واستكبر عن الإقرار بالحق ( فقال إن هذا إلا سحر يؤثر ) قال : يأثره عن غيره .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن إسماعيل بن سميع ، عن أبي رزين ( إن هذا إلا سحر يؤثر ) قال : يأخذه عن غيره .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن إسماعيل ، عن أبي رزين ( إن هذا إلا سحر يؤثر ) قال : يأثره عن غيره .
وقوله : ( إن هذا إلا قول البشر ) يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل الوحيد في القرآن ( إن هذا إلا قول البشر ) ما هذا الذي يتلوه محمد إلا قول البشر ، يقول : ما هو إلا كلام ابن آدم ، وما هو بكلام الله .
القول في تأويل قوله تعالى : ( سأصليه سقر ( 26 ) وما أدراك ما سقر ( 27 ) لا تبقي ولا تذر ( 28 ) لواحة للبشر ( 29 ) عليها تسعة عشر ( 30 ) وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا ليستيقن الذين أوتوا الكتاب ويزداد الذين آمنوا إيمانا ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلا كذلك يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وما يعلم جنود ربك إلا هو وما هي إلا ذكرى للبشر ( 31 ) ) .
يعني تعالى ذكره بقوله : ( سأصليه سقر ) سأورده بابا من أبواب جهنم اسمه سقر ، ولم يجر سقر لأنه اسم من أسماء جهنم ( وما أدراك ما سقر ) يقول تعالى ذكره : وأي شيء أدراك يا محمد ، أي شيء سقر . ثم بين الله تعالى ذكره ما سقر ، فقال : هي [ ص: 27 ] نار ( لا تبقي ) من فيها حيا ( ولا تذر ) من فيها ميتا ، ولكنها تحرقهم كلما جدد خلقهم .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( لا تبقي ولا تذر ) قال : لا تميت ولا تحيي .
حدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثني محمد بن عمارة الأسدي ، قال : ثنا عبيد الله بن موسى ، قال : أخبرنا أبو ليلى ، عن مرثد ، في قوله : ( لا تبقي ولا تذر ) قال : لا تبقي منهم شيئا أن تأكلهم ، فإذا خلقوا لها لا تذرهم حتى تأخذهم فتأكلهم .
وقوله : ( لواحة للبشر ) يعني جل ثناؤه : مغيرة لبشر أهلها ، واللواحة من نعت سقر ، وبالرد عليها رفعت ، وحسن الرفع فيها ، وهي نكرة ، وسقر معرفة ، لما فيها من معنى المدح .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( لواحة للبشر ) قال : الجلد .
حدثني أبو السائب ، قال : ثنا أبو معاوية ، عن إسماعيل ، عن أبى رزين ( لواحة للبشر ) قال : تلفح الجلد لفحة ، فتدعه أشد سوادا من الليل .
حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، قال : ثنا أبي وشعيب بن الليث ، عن خالد بن يزيد ، عن ابن أبي هلال ، قال : قال زيد بن أسلم ( لواحة للبشر ) : أي تلوح أجسادهم عليها .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( لواحة للبشر ) أي حراقة للجلد .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، [ ص: 28 ] عن أبيه ، عن ابن عباس : ( لواحة للبشر ) يقول : تحرق بشرة الإنسان .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( لواحة للبشر ) قال : تغير البشر ، تحرق البشر ; يقال : قد لاحه استقباله السماء ، ثم قال : النار تغير ألوانهم .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن إسماعيل بن سميع ، عن أبي رزين ( لواحة للبشر ) غيرت جلودهم فاسودت .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن إسماعيل بن سميع ، عن أبي رزين مثله .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( لواحة للبشر ) يعني : بشر الإنسان ، يقول : تحرق بشره .
وروي عن ابن عباس في ذلك ، ما حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، في قوله : ( لواحة للبشر ) يقول : معرضة ، وأخشى أن يكون خبر علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس هذا غلطا ، وأن يكون موضع معرضة مغيرة ، لكن صحف فيه .
وقوله : ( عليها تسعة عشر ) يقول تعالى ذكره : على سقر تسعة عشر من الخزنة .
وذكر أن ذلك لما أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال أبو جهل ما حدثني به محمد بن سعد قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ( عليها تسعة عشر ) إلى قوله : ( ويزداد الذين آمنوا إيمانا ) فلما سمع أبو جهل بذلك قال لقريش : ثكلتكم أمهاتكم ، أسمع ابن أبي كبشة يخبركم أن خزنة النار تسعة عشر وأنتم الدهم ، أفيعجز كل عشرة منكم أن يبطشوا برجل من خزنة جهنم ؟ فأوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتي أبا جهل ، فيأخذ بيده في بطحاء مكة فيقول له : ( أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى ) فلما فعل ذلك به رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو جهل : والله لا تفعل أنت وربك شيئا ، فأخزاه الله يوم بدر .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( عليها تسعة عشر ) ذكر لنا أن أبا جهل حين أنزلت هذه الآية قال : يا معشر قريش ، ما يستطيع كل [ ص: 29 ] عشرة منكم أن يغلبوا واحدا من خزنة النار وأنتم الدهم ؟ فصاحبكم يحدثكم أن عليها تسعة عشر .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : قال أبو جهل : يخبركم محمد أن خزنة النار تسعة عشر ، وأنتم الدهم ليجتمع كل عشرة على واحد .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( عليها تسعة عشر ) قال : خزنتها تسعة عشر .
وقوله : ( وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة ) يقول تعالى ذكره : وما جعلنا خزنة النار إلا ملائكة يقول لأبي جهل في قوله لقريش : أما يستطيع كل عشرة منكم أن تغلب منها واحدا ؟ فمن ذا يغلب خزنة النار وهم الملائكة .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : ثنا ابن زيد ، في قوله : ( وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة ) قال : ما جعلناهم رجالا فيأخذ كل رجل رجلا كما قال هذا .
وقوله : ( وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا ) يقول : وما جعلنا عدة هؤلاء الخزنة إلا فتنة للذين كفروا بالله من مشركي قريش .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا ) : إلا بلاء .
وإنما جعل الله الخبر عن عدة خزنة جهنم فتنة للذين كفروا ، لتكذيبهم بذلك ، وقول بعضهم لأصحابه : أنا أكفيكموهم .
ذكر الخبر عمن قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني [ ص: 30 ] الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( تسعة عشر ) قال : جعلوا فتنة ، قال أبو الأشد بن الجمحي : لا يبلغون رتوتي حتى أجهضهم عن جهنم .
وقوله : ( ليستيقن الذين أوتوا الكتاب ) يقول تعالى ذكره : ليستيقن أهل التوراة والإنجيل حقيقة ما في كتبهم من الخبر عن عدة خزنة جهنم ، إذ وافق ذلك ما أنزل الله في كتابه على محمد صلى الله عليه وسلم .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( ليستيقن الذين أوتوا الكتاب ويزداد الذين آمنوا إيمانا ) قال : وإنها في التوراة والإنجيل تسعة عشر ، فأراد الله أن يستيقن أهل الكتاب ، ويزداد الذين آمنوا إيمانا .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( ليستيقن الذين أوتوا الكتاب ) قال : يجدونه مكتوبا عندهم عدة خزنة أهل النار .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( ليستيقن الذين أوتوا الكتاب ) يصدق القرآن الكتب التي كانت قبله فيها كلها ، التوراة والإنجيل أن خزنة النار تسعة عشر .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : ( ليستيقن الذين أوتوا الكتاب ) قال : ليستيقن أهل الكتاب حين وافق عدة خزنة النار ما في كتبهم .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( ليستيقن الذين أوتوا الكتاب ) قال : عدة خزنة جهنم تسعة عشر في التوراة والإنجيل .
وكان ابن زيد يقول في ذلك ما حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : ( ليستيقن الذين أوتوا الكتاب ) أنك رسول الله . [ ص: 31 ]
وقوله : ( ويزداد الذين آمنوا إيمانا ) يقول تعالى ذكره : وليزداد الذين آمنوا بالله تصديقا إلى تصديقهم بالله وبرسوله بتصديقهم بعدة خزنة جهنم .
وقوله : ( ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون ) يقول : ولا يشك أهل التوراة والإنجيل في حقيقة ذلك ، والمؤمنون بالله من أمة محمد صلى الله عليه وسلم .
وقوله : ( وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون ) يقول تعالى ذكره : وليقول الذين في قلوبهم مرض النفاق ، والكافرون بالله من مشركي قريش ( ماذا أراد الله بهذا مثلا )
كما حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( وليقول الذين في قلوبهم مرض ) : أي نفاق .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلا ) يقول : حتى يخوفنا بهؤلاء التسعة عشر .
وقوله : ( كذلك يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء ) يقول تعالى ذكره : كما أضل الله هؤلاء المنافقين والمشركين القائلين في خبر الله عن عدة خزنة جهنم ، أي شيء أراد الله بهذا الخبر من المثل حتى يخوفنا بذكر عدتهم ، ويهتدي به المؤمنون ، فازدادوا بتصديقهم إلى إيمانهم إيمانا ( كذلك يضل الله من يشاء ) من خلقه فيخذله عن إصابة الحق ( ويهدي من يشاء ) منهم ، فيوفقه لإصابة الصواب ( وما يعلم جنود ربك ) من كثرتهم ( إلا هو ) يعني : الله .
كما حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( وما يعلم جنود ربك إلا هو ) أي : من كثرتهم .
وقوله : ( وما هي إلا ذكرى للبشر ) يقول تعالى ذكره : وما النار التي وصفتها إلا تذكرة ذكر بها البشر ، وهم بنو آدم .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( وما هي إلا ذكرى للبشر ) يعني النار .
[ ص: 32 ] حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( وما هي إلا ذكرى للبشر ) قال : النار .
القول في تأويل قوله تعالى : ( كلا والقمر ( 32 ) والليل إذ أدبر ( 33 ) والصبح إذا أسفر ( 34 ) إنها لإحدى الكبر ( 35 ) نذيرا للبشر ( 36 ) لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر ( 37 ) ) .
يعني تعالى ذكره بقوله ( كلا ) ليس القول كما يقول من زعم أنه يكفي أصحابه المشركين خزنة جهنم حتى يجهضهم عنها ، ثم أقسم ربنا تعالى فقال : ( والقمر والليل إذ أدبر ) يقول : والليل إذ ولى ذاهبا .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( والليل إذ أدبر ) إذ ولى .
وقال آخرون في ذلك ما حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ; عن أبيه ، عن ابن عباس ( والليل إذ أدبر ) دبوره : إظلامه .
واختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء المدينة والبصرة ( إذ أدبر ) ، وبعض قراء مكة والكوفة ( إذا دبر ) . [ ص: 33 ]
والصواب من القول في ذلك عندنا ، أنهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب .
وقد اختلف أهل العلم بكلام العرب في ذلك ، فقال بعض الكوفيين : هما لغتان ، يقال : دبر النهار وأدبر ، ودبر الصيف وأدبر ، قال : وكذلك قبل وأقبل ; فإذا قالوا : أقبل الراكب وأدبر لم يقولوه إلا بالألف . وقال بعض البصريين : ( والليل إذا دبر ) يعني : إذا دبر النهار وكان في آخره ; قال : ويقال : دبرني : إذا جاء خلفي ، وأدبر : إذا ولى .
والصواب من القول في ذلك عندي أنهما لغتان بمعنى ، وذلك أنه محكي عن العرب : قبح الله ما قبل منه وما دبر . وأخرى أن أهل التفسير لم يميزوا في تفسيرهم بين القراءتين ، وذلك دليل على أنهم فعلوا ذلك كذلك ، لأنهما بمعنى واحد .
وقوله : ( والصبح إذا أسفر ) يقول تعالى ذكره : والصبح إذا أضاء .
كما حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( والصبح إذا أسفر ) إذا أضاء وأقبل ( إنها لإحدى الكبر ) يقول تعالى ذكره : إن جهنم لإحدى الكبر ، يعني : الأمور العظام .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثني عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( إنها لإحدى الكبر ) يعني : جهنم .
حدثنا أبو السائب ، قال : ثنا أبو معاوية ، عن إسماعيل بن سميع ، عن أبي رزين ( إنها لإحدى الكبر ) قال : جهنم .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( إنها لإحدى الكبر ) قال : هذه النار .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( إنها لإحدى الكبر ) قال : هي النار .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( إنها لإحدى الكبر ) يعني : جهنم .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ( إنها لإحدى الكبر ) يعني جهنم .
وقوله : ( نذيرا للبشر ) يقول تعالى ذكره : إن النار لإحدى الكبر ، نذيرا لبني آدم .
واختلف أهل التأويل في معنى قوله : ( نذيرا للبشر ) ، وما الموصوف بذلك ، فقال بعضهم : عني بذلك النار ، وقالوا : هي صفة للهاء التي في قوله ( إنها ) وقالوا : هي النذير ، فعلى قول هؤلاء النذير نصب على القطع من إحدى الكبر; لأن إحدى [ ص: 34 ] الكبر معرفة ، وقوله : ( نذيرا ) نكرة ، والكلام قد يحسن الوقوف عليه دونه .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قال : قال الحسن : والله ما أنذر الناس بشيء أدهى منها ، أو بداهية هي أدهى منها .
وقال آخرون : بل ذلك من صفة الله تعالى ، وهو خبر من الله عن نفسه ، أنه نذير لخلقه ، وعلى هذا القول يجب أن يكون نصب قوله ( نذيرا ) على الخروج من جملة الكلام المتقدم ، فيكون معنى الكلام : وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة نذيرا للبشر ، يعني : إنذارا لهم; فيكون قوله ( نذيرا ) بمعنى إنذارا لهم; كما قال : ( فستعلمون كيف نذير ) بمعنى إنذاري; ويكون أيضا بمعنى : إنها لإحدى الكبر; صيرنا ذلك كذلك نذيرا ، فيكون قوله : ( إنها لإحدى الكبر ) مؤديا عن معنى صيرنا ذلك كذلك ، وهذا المعنى قصد من قال ذلك إن شاء الله .
ذكر من قال ذلك :
حدثني أبو السائب ، قال : ثنا أبو معاوية ، عن إسماعيل ، عن أبي رزين ( إنها لإحدى الكبر ) قال : جهنم ( نذيرا للبشر ) يقول الله : أنا لكم منها نذير فاتقوها .
وقال آخرون : بل ذلك من صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقالوا : نصب ( نذيرا ) على الحال مما في قوله ” قم ” ، وقالوا : معنى الكلام : قم نذيرا للبشر فأنذر .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( نذيرا للبشر ) قال : الخلق . قال : بنو آدم ، البشر . فقيل له : محمد النذير ؟ قال : نعم ينذرهم .
وقوله : ( لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر ) يقول تعالى ذكره : نذيرا للبشر لمن شاء منكم أيها الناس أن يتقدم في طاعة الله ، أو يتأخر في معصية الله .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر ) قال : من [ ص: 35 ] شاء اتبع طاعة الله ، ومن شاء تأخر عنها .
حدثني بشر; قال : ثنا يزيد; قال : ثنا سعيد; عن قتادة ( لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر ) يتقدم في طاعة الله ، أو يتأخر في معصيته .
القول في تأويل قوله تعالى : ( كل نفس بما كسبت رهينة ( 38 ) إلا أصحاب اليمين ( 39 ) في جنات يتساءلون ( 40 ) عن المجرمين ( 41 ) ما سلككم في سقر ( 42 ) قالوا لم نك من المصلين ( 43 ) ولم نك نطعم المسكين ( 44 ) وكنا نخوض مع الخائضين ( 45 ) ) .
يقول تعالى ذكره : كل نفس مأمورة منهية بما عملت من معصية الله في الدنيا ، رهينة في جهنم ( إلا أصحاب اليمين ) فإنهم غير مرتهنين ، ولكنهم ( في جنات يتساءلون عن المجرمين ) .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : ( كل نفس بما كسبت رهينة ) يقول : مأخوذة بعملها .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين ) قال : غلق الناس كلهم إلا أصحاب اليمين .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين ) قال : لا يحاسبون .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قول الله : ( كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين ) أصحاب اليمين لا يرتهنون بذنوبهم ، ولكن يغفرها الله لهم ، وقرأ قول الله : ( إلا عباد الله المخلصين ) قال : لا يؤاخذهم الله بسيئ أعمالهم ، ولكن يغفرها الله لهم ، ويتجاوز عنهم كما وعدهم . [ ص: 36 ]
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( كل نفس بما كسبت رهينة ) قال : كل نفس سبقت له كلمة العذاب يرتهنه الله في النار ، لا يرتهن الله أحدا من أهل الجنة ، ألم تسمع أنه قال : ( كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين ) يقول : ليسوا رهينة ( في جنات يتساءلون ) .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، في قوله : ( إلا أصحاب اليمين ) قال : إن كان أحدهم سبقت له كلمة العذاب جعل منزله في النار يكون فيها رهنا ، وليس يرتهن أحد من أهل الجنة هم في جنات يتساءلون .
واختلف أهل التأويل في أصحاب اليمين الذين ذكرهم الله في هذا الموضع ، فقال بعضهم : هم أطفال المسلمين .
ذكر من قال ذلك :
حدثني واصل بن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن فضيل ، عن الأعمش ، عن عثمان ، عن زاذان ، عن علي رضي الله عنه في هذه الآية ( كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين ) قال : هم الولدان .
حدثنا محمد بن بشار ، قال : ثنا مؤمل ، قال : ثنا سفيان ، عن عثمان أبي اليقظان ، عن زاذان أبي عمر عن علي رضي الله عنه في قوله : ( كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين ) قال : أطفال المسلمين .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن عثمان بن عمير أبي اليقظان ، عن زاذان أبي عمر ، عن علي رضي الله عنه ( إلا أصحاب اليمين ) قال : أولاد المسلمين .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن أبي اليقظان ، عن زاذان ، عن علي رضي الله عنه ( إلا أصحاب اليمين ) قال : هم الولدان .
وقال آخرون : هم الملائكة .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن شريك ، عن الأعمش ، عن أبي ظبيان ، [ ص: 37 ] عن ابن عباس ، قال : هم الملائكة ، وإنما قال من قال : أصحاب اليمين في هذا الموضع : هم الولدان وأطفال المسلمين; ومن قال : هم الملائكة ، لأن هؤلاء لم يكن لهم ذنوب ، وقالوا : لم يكونوا ليسألوا المجرمين ( ما سلككم في سقر ) إلا أنهم لم يقترفوا في الدنيا مآثم ، ولو كانوا اقترفوها وعرفوها لم يكونوا ليسألوهم عما سلكهم في سقر ، لأن كل من دخل من بني آدم ممن بلغ حد التكليف ، ولزمه فرض الأمر والنهي ، قد علم أن أحدا لا يعاقب إلا على المعصية .
وقوله : ( في جنات يتساءلون عن المجرمين ما سلككم في سقر ) يقول : أصحاب اليمين في بساتين يتساءلون عن المجرمين الذين سلكوا في سقر ، أي شيء سلككم في سقر ؟ ( قالوا لم نك من المصلين ) يقول : قال المجرمون لهم : لم نك في الدنيا من المصلين لله ( ولم نك نطعم المسكين ) بخلا بما خولهم الله ، ومنعا له من حقه .
( وكنا نخوض مع الخائضين ) يقول : وكنا نخوض في الباطل وفيما يكرهه الله مع من يخوض فيه .
كما حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( وكنا نخوض مع الخائضين ) قال : كلما غوى غاو غوي معه .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة قوله : ( وكنا نخوض مع الخائضين ) قال : يقولون : كلما غوى غاو غوينا معه .
القول في تأويل قوله تعالى : ( وكنا نكذب بيوم الدين ( 46 ) حتى أتانا اليقين ( 47 ) فما تنفعهم شفاعة الشافعين ( 48 ) فما لهم عن التذكرة معرضين ( 49 ) ) .
وقوله : ( وكنا نكذب بيوم الدين ) يقول تعالى ذكره : قالوا : وكنا نكذب بيوم المجازاة والثواب والعذاب ، ولا نصدق بثواب ولا عقاب ولا حساب ( حتى أتانا اليقين ) يقول : قالوا : حتى أتانا الموت الموقن به ( فما تنفعهم شفاعة الشافعين ) يقول : فما يشفع لهم الذين شفعهم الله في أهل الذنوب من أهل التوحيد ، فتنفعهم شفاعتهم ، وفي هذه الآية دلالة واضحة على أن الله تعالى ذكره مشفع بعض خلقه في بعض .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . [ ص: 38 ]
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن سلمة بن كهيل ، قال : ثنا أبو الزعراء ، عن عبد الله في قصة ذكرها في الشفاعة ، قال : ثم تشفع الملائكة والنبيون والشهداء والصالحون والمؤمنون ، ويشفعهم الله فيقول : أنا أرحم الراحمين ، فيخرج من النار أكثر مما أخرج من جميع الخلق من النار ، ثم يقول : أنا أرحم الراحمين ، ثم قرأ عبد الله يأيها الكفار ( ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين وكنا نخوض مع الخائضين وكنا نكذب بيوم الدين ) وعقد بيده أربعا ، ثم قال : هل ترون في هؤلاء من خير ، ألا ما يترك فيها أحد فيه خير .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن إدريس ، قال : سمعت عمي وإسماعيل بن أبي خالد ، عن سلمة بن كهيل ، عن أبي الزعراء ، قال : قال عبد الله : لا يبقى في النار إلا أربعة ، أو ذو الأربعة – الشك من أبي جعفر الطبري – ثم يتلو : ( ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين وكنا نخوض مع الخائضين وكنا نكذب بيوم الدين ) .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( فما تنفعهم شفاعة الشافعين ) تعلمن أن الله يشفع المومنين يوم القيامة . ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : ” إن من أمتي رجلا يدخل الله بشفاعته الجنة أكثر من بني تميم ” .
قال الحسن : أكثر من ربيعة ومضر ، كنا نحدث أن الشهيد يشفع في سبعين من أهل بيته .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور عن معمر ، عن قتادة ( فما تنفعهم شفاعة الشافعين ) قال : تعلمن أن الله يشفع بعضهم في بعض .
قال : ثنا أبو ثور ، قال معمر : وأخبرني من سمع أنس بن مالك يقول : إن الرجل ليشفع للرجلين والثلاثة والرجل .
قال : ثنا أبو ثور ، عن معمر ، عن أيوب ، عن أبي قلابة ، قال : يدخل الله بشفاعة رجل من هذه الأمة الجنة مثل بني تميم ، أو قال : أكثر من بني تميم ، وقال الحسن : مثل ربيعة ومضر .
وقوله : ( فما لهم عن التذكرة معرضين ) يقول : فما لهؤلاء المشركين عن [ ص: 39 ] تذكرة الله إياهم بهذا القرآن معرضين ، لا يستمعون لها فيتعظوا ويعتبروا .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( فما لهم عن التذكرة معرضين ) أي : عن هذا القرآن .
القول في تأويل قوله تعالى : ( كأنهم حمر مستنفرة ( 50 ) فرت من قسورة ( 51 ) بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة ( 52 ) كلا بل لا يخافون الآخرة ( 53 ) ) .
يقول تعالى ذكره : فما لهؤلاء المشركين بالله عن التذكرة معرضين ، مولين عنها تولية الحمر المستنفرة ( فرت من قسورة ) .
واختلفت القراء في قراءة قوله : ( مستنفرة ) ، فقرأ ذلك عامة قراء الكوفة والبصرة بكسر الفاء ، وفي قراءة بعض المكيين أيضا بمعنى نافرة .
والصواب من القول في ذلك عندنا ، أنهما قراءتان معروفتان ، صحيحتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب ، وكان الفراء يقول : الفتح والكسر في ذلك كثيران في كلام العرب ; وأنشد :
أمسك حمارك إنه مستنفر في إثر أحمرة عمدن لغرب
وقوله : ( فرت من قسورة ) اختلف أهل التأويل في معنى القسورة ، فقال بعضهم : هم الرماة . [ ص: 40 ]
ذكر من قال ذلك :
حدثني أبو السائب ، قال : ثنا حفص بن غياث ، عن حجاج ، عن عطاء ، عن ابن عباس ، في قوله : ( فرت من قسورة ) قال : الرماة .
حدثني ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، وحدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع عن سفيان ، عن الأعمش ، عن أبي ظبيان ، عن أبي موسى ( فرت من قسورة ) قال : الرماة .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ( فرت من قسورة ) قال : هي الرماة .
قال ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : ( قسورة ) قال : عصبة قناص من الرماة . زاد الحارث في حديثه . قال : وقال بعضهم في القسورة : هو الأسد ، وبعضهم : الرماة .
حدثنا هناد بن السري ، قال : ثنا أبو الأحوص ، عن سماك ، عن عكرمة ، في قوله : ( فرت من قسورة ) قال : القسورة : الرماة ، فقال رجل لعكرمة : هو الأسد بلسان الحبشة ، فقال عكرمة : اسم الأسد بلسان الحبشة عنبسة .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا ابن علية ، قال : أخبرنا أبو رجاء ، عن عكرمة ، في قوله : ( فرت من قسورة ) قال : الرماة .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن سليمان بن عبد الله السلولي ، عن ابن عباس ، قال : هي الرماة .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( فرت من قسورة ) وهم الرماة القناص .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : [ ص: 41 ] ( فرت من قسورة ) قال : قسورة النبل .
وقال آخرون : هم القناص .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، ( فرت من قسورة ) يعني : رجال القنص .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن أبى بشر ، عن سعيد بن جبير في هذه الآية ( فرت من قسورة ) قال : هم القناص .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير قال : هم القناص .
وقال آخرون : هم جماعة الرجال .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، وحدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن شعبة ، عن أبي حمزة ، قال : سألت ابن عباس عن القسورة ، فقال : ما أعلمه بلغة أحد من العرب : الأسد ، هي عصب الرجال .
حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا عبد الصمد بن عبد الوارث . قال : ما أعلمه بلغة أحد من العرب الأسد هي عصب الرجال .
حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا عبد الصمد بن عبد الوارث ، قال : سمعت أبي يحدث ، قال : ثنا داود ، قال : ثني عباس بن عبد الرحمن مولى بني هاشم ، قال : سئل ابن عباس عن القسورة ، قال : جمع الرجال ، ألم تسمع ما قالت فلانة في الجاهلية :
يا بنت لؤي خيرة لخيره أحوالها في الحي مثل القسوره
[ ص: 42 ] وقال آخرون : هي أصوات الرجال .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن عيينة ، عن عمرو ، عن عطاء ، عن ابن عباس ( فرت من قسورة ) قال : ركز الناس أصواتهم .
قال أبو كريب ، قال سفيان : ( هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا ) .
وقال آخرون : بل هو الأسد .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم ، عن أبي هريرة ( فرت من قسورة ) قال : هو الأسد .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم ، عن ابن سيلان ، أن أبا هريرة كان يقول في قول الله : ( فرت من قسورة ) قال : هو الأسد .
حدثني محمد بن معمر ، قال : ثنا هشام ، عن زيد بن أسلم ، في قول الله : ( فرت من قسورة ) قال : الأسد .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني داود بن قيس ، عن زيد بن أسلم ، في قول الله : ( فرت من قسورة ) قال : هو الأسد .
حدثني محمد بن خالد بن خداش ، قال ثني سلم بن قتيبة ، قال : ثنا حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن يوسف بن مهران ، عن ابن عباس ، أنه سئل عن قوله : ( فرت من قسورة ) قال : هو بالعربية : الأسد ، وبالفارسية : شار ، وبالنبطية : أريا ، وبالحبشية : قسورة .
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : ( فرت من قسورة ) يقول : الأسد .
حدثني أبو السائب ، قال : ثنا حفص بن غياث ، عن هشام بن سعد ، عن [ ص: 43 ] زيد بن أسلم ، عن أبي هريرة قال : الأسد .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( فرت من قسورة ) قال : القسورة : الأسد .
وقوله : ( بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة ) يقول تعالى ذكره : ما بهؤلاء المشركين في إعراضهم عن هذا القرآن أنهم لا يعلمون أنه من عند الله ، ولكن كل رجل منهم يريد أن يؤتى كتابا من السماء ينزل عليه .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة ) قال : قد قال قائلون من الناس : يا محمد إن سرك أن نتبعك فأتنا بكتاب خاصة إلى فلان وفلان ، نؤمر فيه باتباعك ، قال قتادة : يريدون أن يؤتوا براءة بغير عمل .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة ) قال : إلى فلان من رب العالمين .
وقوله : ( كلا بل لا يخافون الآخرة ) يقول تعالى ذكره : ما الأمر كما يزعمون من أنهم لو أوتوا صحفا منشرة صدقوا ، ( بل لا يخافون الآخرة ) ، يقول : لكنهم لا يخافون عقاب الله ، ولا يصدقون بالبعث والثواب والعقاب; فذلك الذي دعاهم إلى الإعراض عن تذكرة الله ، وهون عليهم ترك الاستماع لوحيه وتنزيله .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( كلا بل لا يخافون الآخرة ) إنما أفسدهم أنهم كانوا لا يصدقون بالآخرة ، ولا يخافونها ، هو الذي أفسدهم .
القول في تأويل قوله تعالى : ( كلا إنه تذكرة ( 54 ) فمن شاء ذكره ( 55 ) [ ص: 44 ] وما يذكرون إلا أن يشاء الله هو أهل التقوى وأهل المغفرة ( 56 ) ) .
يعني جل ثناؤه بقوله : ( كلا إنه تذكرة ) ليس الأمر كما يقول هؤلاء المشركون في هذا القرآن من أنه سحر يؤثر ، وأنه قول البشر ، ولكنه تذكرة من الله لخلقه ، ذكرهم به .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( كلا إنه تذكرة ) أي : القرآن .
وقوله : ( فمن شاء ذكره ) يقول تعالى ذكره : فمن شاء من عباد الله الذين ذكرهم الله بهذا القرآن ذكره ، فاتعظ فاستعمل ما فيه من أمر الله ونهيه ( وما يذكرون إلا أن يشاء الله ) يقول تعالى ذكره : وما يذكرون هذا القرآن فيتعظون به ، ويستعملون ما فيه ، إلا أن يشاء الله أن يذكروه; لأنه لا أحد يقدر على شيء إلا بأن يشاء الله يقدره عليه ، ويعطيه القدرة عليه .
وقوله : ( هو أهل التقوى وأهل المغفرة ) يقول تعالى ذكره : الله أهل أن يتقي عباده عقابه على معصيتهم إياه ، فيجتنبوا معاصيه ، ويسارعوا إلى طاعته ، ( وأهل المغفرة ) يقول : هو أهل أن يغفر ذنوبهم إذا هم فعلوا ذلك ، ولا يعاقبهم عليها مع توبتهم منها .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( هو أهل التقوى وأهل المغفرة ) ربنا محقوق أن تتقى محارمه ، وهو أهل المغفرة يغفر الذنوب .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : ( هو أهل التقوى وأهل المغفرة ) قال : أهل أن تتقى محارمه ، ( وأهل المغفرة ) : أهل أن يغفر الذنوب .
آخر تفسير سورة المدثر