تفسير الطبري سورة العاديات
سورة العاديات
بسم الله الرحمن الرحيم
وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا (1) فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا (2) فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا (3) فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا (4) فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا (5) إِنَّ الْإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (6) وَإِنَّهُ عَلَىٰ ذَٰلِكَ لَشَهِيدٌ (7) وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (8) ۞ أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ (9) وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ (10) إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ (11)
بسم الله الرحمن الرحيم
القول في تأويل قوله جل ثناؤه وتقدست أسماؤه :
( والعاديات ضبحا ( 1 ) فالموريات قدحا ( 2 ) فالمغيرات صبحا ( 3 ) فأثرن به نقعا ( 4 ) فوسطن به جمعا ( 5 ) إن الإنسان لربه لكنود ( 6 ) وإنه على ذلك لشهيد ( 7 ) وإنه لحب الخير لشديد ( 8 ) أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور ( 9 ) وحصل ما في الصدور ( 10 ) إن ربهم بهم يومئذ لخبير ( 11 ) ) .
اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : ( والعاديات ضبحا ) فقال بعضهم : عني بالعاديات ضبحا : الخيل التي تعدو ، وهي تحمحم .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، في قوله ( والعاديات ضبحا ) قال : الخيل ، وزعم غير ابن عباس أنها الإبل .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : ( والعاديات ضبحا ) قال ابن عباس : هو في القتال .
حدثنا هناد ، قال : ثنا أبو الأحوص ، عن سماك ، عن عكرمة في قوله : ( والعاديات ضبحا ) قال : الخيل .
حدثني يعقوب ، قال : ثنا ابن علية ، قال : أخبرنا أبو رجاء ، قال : سئل عكرمة ، عن قوله : ( والعاديات ضبحا ) قال : ألم تر إلى الفرس إذا جرى كيف يضبح ؟ [ ص: 558 ]
حدثني إبراهيم بن سعيد الجوهري ، قال : ثنا سفيان ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، قال : ليس شيء من الدواب يضبح غير الكلب والفرس .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : ( والعاديات ضبحا ) قال : الخيل تضبح .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( والعاديات ضبحا ) قال : هي الخيل ، عدت حتى ضبحت .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله ( والعاديات ضبحا ) قال : هي الخيل تعدو حتى تضبح .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن سعيد ، عن قتادة مثل حديث بشر ، عن يزيد ; حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، قال : ثنا سعيد ، قال : سمعت سالما يقرأ : ( والعاديات ضبحا ) قال : هي الخيل عدت ضبحا .
قال : ثنا وكيع ، عن واصل ، عن عطاء ( والعاديات ضبحا ) قال : الخيل .
قال : ثنا وكيع ، عن سفيان بن عيينة ، عن عمرو ، عن عطاء ، عن ابن عباس ، قال : ما ضبحت دابة قط إلا كلب أو فرس .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( والعاديات ضبحا ) قال : هي الخيل .
حدثني سعيد بن الربيع الرازي . قال : ثنا سفيان بن عيينة ، عن عمرو ، عن عطاء ، عن ابن عباس ، قال : هي الخيل .
وقال آخرون : هي الإبل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني أبو السائب . قال : ثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن عبد الله ( والعاديات ضبحا ) قال : هي الإبل .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن عبد الله ، مثله .
حدثني عيسى بن عثمان الرملي ، قال : ثني عمي يحيى بن عيسى الرملي ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن عبد الله ، مثله . [ ص: 559 ]
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، عن عبد الله ( والعاديات ضبحا ) قال : هي الإبل إذا ضبحت تنفست .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرنا أبو صخر ، عن أبي معاوية البجلي ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس حدثه قال : بينما أنا في الحجر جالس ، أتاني رجل يسأل عن ( العاديات ضبحا ) فقلت له : الخيل حين تغير في سبيل الله ، ثم تأوي إلى الليل ، فيصنعون طعامهم ، ويورون نارهم . فانفتل عني ، فذهب إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو تحت سقاية زمزم ، فسأله عن ( العاديات ضبحا ) فقال : سألت عنها أحدا قبلي ؟ قال : نعم ، سألت عنها ابن عباس ، فقال : الخيل حين تغير في سبيل الله ، قال : اذهب فادعه لي ; فلما وقفت على رأسه قال : تفتي الناس بما لا علم لك به ، والله لكانت أول غزوة في الإسلام لبدر ، وما كان معنا إلا فرسان : فرس للزبير ، وفرس للمقداد فكيف تكون العاديات ضبحا! إنما العاديات ضبحا من عرفة إلى مزدلفة إلى منى ; قال ابن عباس : فنزعت عن قولي ، ورجعت إلى الذي قال علي رضي الله عنه .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم ( والعاديات ضبحا ) قال : الإبل .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : ( والعاديات ضبحا ) قال : قال ابن مسعود : هو في الحج .
حدثنا سعيد بن الربيع الرازي ، قال : ثنا سفيان ، عن عمرو بن دينار ، عن عبيد بن عمير ، قال : هي الإبل ، يعني ( والعاديات ضبحا ) .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن منصور ، عن إبراهيم ( والعاديات ضبحا ) قال : قال ابن مسعود : هي الإبل .
وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب : قول من قال : عني بالعاديات : الخيل ، وذلك أن الإبل لا تضبح ، وإنما تضبح الخيل ، وقد أخبر الله تعالى أنها تعدو ضبحا ، والضبح : هو ما قد ذكرنا قبل . وبما قلنا في ذلك قال أهل التأويل . [ ص: 560 ]
ذكر من قال ذلك :
حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري ، قال : ثنا أبو معاوية ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي صالح ، قال : قال علي رضي الله عنه : الضبح من الخيل : الحمحمة ، ومن الإبل : النفس .
قال : ثنا سفيان ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، قال : سمعت ابن عباس يصف الضبح : أح أح .
وقوله : ( فالموريات قدحا )
اختلف أهل التأويل ، في ذلك ، فقال بعضهم : هي الخيل توري النار بحوافرها .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا ابن علية ، قال : ثنا أبو رجاء ، قال : سئل عكرمة ، عن قوله : ( فالموريات قدحا ) قال : أورت وقدحت .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( فالموريات قدحا ) قال : هي الخيل ; وقال الكلبي : تقدح بحوافرها حتى يخرج منها النار .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن واصل ، عن عطاء ( فالموريات قدحا ) قال : أورت النار بحوافرها .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ ، يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( فالموريات قدحا ) توري الحجارة بحوافرها .
وقال آخرون : بل معنى ذلك أن الخيل هجن الحرب بين أصحابهن وركبانهن .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( فالموريات قدحا ) قال : هجن الحرب بينهم وبين عدوهم .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سعيد ، عن قتادة ( فالموريات قدحا ) قال : هجن الحرب بينهم وبين عدوهم .
وقال آخرون : بل عني بذلك : الذين يورون النار بعد انصرافهم من الحرب .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني أبو صخر ، عن أبي معاوية [ ص: 561 ] البجلي ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : سألني علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، عن ( والعاديات ضبحا فالموريات قدحا ) فقلت له : الخيل تغير في سبيل الله ، ثم تأوي إلى الليل ، فيصنعون طعامهم ويورون نارهم .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : مكر الرجال .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : ( فالموريات قدحا ) قال : المكر .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح . عن مجاهد ، في قول الله : ( فالموريات قدحا ) قال : مكر الرجال .
وقال آخرون : هي الألسنة
ذكر من قال ذلك :
حدثنا الحسن بن عرفة ، قال : ثنا يونس بن محمد ، قال : ثنا حماد بن سلمة ، عن سماك بن حرب ، عن عكرمة قال : يقال في هذه الآية ( فالموريات قدحا ) قال : هي الألسنة .
وقال آخرون : هي الإبل حين تسير تنسف بمناسمها الحصى .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، عن عبد الله : ( فالموريات قدحا ) قال : إذا نسفت الحصى بمناسمها ، فضرب الحصى بعضه بعضا ، فيخرج منه النار .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب : أن يقال : إن الله تعالى ذكره أقسم بالموريات التي توري النيران قدحا ; فالخيل توري بحوافرها ، والناس يورونها بالزند ، واللسان – مثلا – يوري بالمنطق ، والرجال يورون بالمكر – مثلا – ، وكذلك الخيل تهيج الحرب بين أهلها : إذا التقت في الحرب ، ولم يضع الله دلالة على أن المراد من ذلك بعض دون بعض فكل ما أورت النار قدحا ، فداخلة فيما أقسم به ، لعموم ذلك بالظاهر .
وقوله : ( فالمغيرات صبحا )
اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال [ ص: 562 ] بعضهم : معنى ذلك : فالمغيرات صبحا على عدوها علانية .
ذكر من قال ذلك :
29259 – حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني أبو صخر ، عن أبي معاوية البجلي ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : سألني رجل عن المغيرات صبحا ، فقال : الخيل تغير في سبيل الله .
29260 – حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا ابن علية ، قال : أخبرنا أبو رجاء ، قال : سألت عكرمة ، عن قوله ( فالمغيرات صبحا ) قال : أغارت على العدو صبحا .
29261 – حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( فالمغيرات صبحا ) قال : هي الخيل .
29262 – حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( فالمغيرات صبحا ) قال : هي الخيل .
29263 – حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( فالمغيرات صبحا ) قال : أغار القوم بعد ما أصبحوا على عدوهم .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( فالمغيرات صبحا ) قال : أغارت حين أصبحوا .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سعيد ، عن قتادة ( فالمغيرات صبحا ) قال : أغار القوم حين أصبحوا .
وقال آخرون : عني بذلك الإبل حين تدفع بركبانها من ” جمع ” يوم النحر إلى ” منى ” .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، عن عبد الله ( فالمغيرات صبحا ) حين يفيضون من جمع .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب : أن يقال : إن الله جل ثناؤه أقسم بالمغيرات صبحا ، ولم يخصص من ذلك مغيرة دون مغيرة ، فكل مغيرة صبحا ، فداخلة فيما أقسم به ; وقد كان زيد بن أسلم يذكر تفسير هذه الأحرف ويأباها ، ويقول : إنما [ ص: 563 ] هو قسم أقسم الله به .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( والعاديات ضبحا فالموريات قدحا ) قال : هذا قسم أقسم الله به . وفي قوله : ( فوسطن به جمعا ) قال : كل هذا قسم ، قال : ولم يكن أبي ينظر فيه إذا سئل عنه ، ولا يذكره ، يريد به القسم .
وقوله : ( فأثرن به نقعا )
يقول تعالى ذكره : فرفعن بالوادي غبارا ; والنقع : الغبار ، ويقال : إنه التراب . والهاء في قوله ” به ” كناية اسم الموضع ، وكنى عنه ، ولم يجر له ذكر ؛ لأنه معلوم أن الغبار لا يثار إلا من موضع ، فاستغنى بفهم السامعين بمعناه من ذكره .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( فأثرن به نقعا ) قال : الخيل .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن واصل ، عن عطاء وابن زيد ، قال : النقع : الغبار .
حدثنا هناد ، قال : ثنا أبو الأحوص ، عن سماك ، عن عكرمة ( فأثرن به نقعا ) قال : هي أثارت الغبار ، يعني : الخيل .
حدثني يعقوب ، قال : ثنا ابن علية ، قال : ثنا أبو رجاء ، قال : سئل عكرمة ، عن قوله ( فأثرن به نقعا ) قال : أثارت التراب بحوافرها .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران عن سعيد ، عن قتادة ( فأثرن به نقعا ) قال : أثرن بحوافرها نقع التراب .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، مثله .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( فأثرن به نقعا ) قال : أثرن به غبارا .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني أبو صخر ، عن أبي [ ص: 564 ] معاوية البجلي ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : قال لي علي : إنما العاديات ضبحا من عرفة إلى المزدلفة ، ومن المزدلفة إلى منى ( فأثرن به نقعا ) : الأرض حين تطؤها بأخفافها وحوافرها .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، عن عبد الله ( فأثرن به نقعا ) قال : إذا سرن يثرن التراب .
وقوله : ( فوسطن به جمعا )
يقول تعالى ذكره : فوسطن بركبانهن جمع القوم ، يقال : وسطت القوم بالتخفيف ، ووسطته بالتشديد ، وتوسطته : بمعنى واحد .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يعقوب ، قال : ثنا ابن علية ، قال : ثنا أبو رجاء ، قال : سئل عكرمة ، عن قوله : ( فوسطن به جمعا ) قال : جمع الكفار .
حدثنا هناد بن السري ، قال : ثنا أبو الأحوص ، عن سماك ، عن عكرمة ( فوسطن به جمعا ) قال جمع القوم .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : ( فوسطن به جمعا ) قال : هو جمع القوم .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن واصل ، عن عطاء ( فوسطن به جمعا ) قال : جمع العدو .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( فوسطن به جمعا ) قال : جمع هؤلاء وهؤلاء .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( فوسطن به جمعا ) فوسطن جمع القوم .
حدثنا ابن حميد قال : ثنا مهران ، عن سعيد ، عن قتادة ( فوسطن به جمعا ) فوسطن بالقوم جمع العدو .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( فوسطن به جمعا ) قال : وسطن جمع القوم . [ ص: 565 ]
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( فوسطن به جمعا ) الجمع : الكتيبة .
وقال آخرون : بل عني بذلك ( فوسطن به ) مزدلفة .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، عن عبد الله ( فوسطن به جمعا ) يعني : مزدلفة .
وقوله : ( إن الإنسان لربه لكنود )
يقول : إن الإنسان لكفور لنعم ربه . والأرض الكنود : التي لا تنبت شيئا ، قال الأعشى :
أحدث لها تحدث لوصلك إنها كند لوصل الزائر المعتاد
وقيل : إنما سميت كندة : لقطعها أباها .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني عبيد الله بن يوسف الجبيري ، قال : ثنا محمد بن كثير ، قال : ثنا مسلم ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، قوله : ( إن الإنسان لربه لكنود ) قال : لكفور .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : ( إن الإنسان لربه لكنود ) قال : لربه لكفور .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ( إن الإنسان لربه لكنود ) قال : لكفور .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، مثله . [ ص: 566 ]
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، مثله .
حدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن مهدي بن ميمون ، عن شعيب بن الحبحاب ، عن الحسن البصري : ( إن الإنسان لربه لكنود ) قال : هو الكفور الذي يعد المصائب ، وينسى نعم ربه .
حدثنا وكيع ، عن أبي جعفر ، عن الربيع ، قال : الكنود : الكفور .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، قال : قال الحسن : ( إن الإنسان لربه لكنود ) يقول : لوام لربه يعد المصائب
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن الحسن ( لكنود ) قال : لكفور .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( إن الإنسان لربه لكنود ) قال : لكفور .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سعيد ، عن قتادة ، مثله .
حدثنا يحيى بن حبيب بن عربي ، قال : ثنا خالد بن الحارث ، قال : ثنا شعبة ، عن سماك أنه قال : إنما سميت كندة : أنها قطعت أباها ( إن الإنسان لربه لكنود ) قال : لكفور .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا عبيد الله ، عن إسرائيل ، عن جعفر بن الزبير ، عن القاسم ، عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الإنسان لربه لكنود ) قال : ” لكفور ، الذي يأكل وحده ويضرب عبده ، ويمنع رفده ” .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( إن الإنسان لربه لكنود ) قال : الكنود : الكفور ، وقرأ : ( إن الإنسان لكفور ) .
حدثنا الحسن بن علي بن عياش ، قال : ثنا أبو المغيرة عبد القدوس ، قال : ثنا حريز بن عثمان ، قال : ثني حمزة بن هانئ ، عن أبي أمامة أنه كان يقول : الكنود : الذي ينزل وحده ، ويضرب عبده ، ويمنع رفده .
حدثني محمد بن إسماعيل الصواري ، قال : ثنا محمد بن سوار ، قال : أخبرنا [ ص: 567 ] أبو اليقظان ، عن سفيان عن هشام ، عن الحسن ، في قوله ( إن الإنسان لربه لكنود ) قال : لوام لربه ، يعد المصائب ، وينسى النعم .
وقوله : ( وإنه على ذلك لشهيد )
يقول تعالى ذكره : إن الله على كنوده ربه لشهيد : يعني لشاهد .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سعيد ، عن قتادة ( وإنه على ذلك لشهيد ) قال : يقول : إن الله على ذلك لشهيد .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( وإنه على ذلك لشهيد ) في بعض القراءات ” إن الله على ذلك لشهيد ” .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ( وإنه على ذلك لشهيد ) يقول : وإن الله عليه شهيد .
وقوله : ( وإنه لحب الخير لشديد )
يقول تعالى ذكره : وإن الإنسان لحب المال لشديد .
واختلف أهل العربية في وجه وصفه بالشدة لحب المال ، فقال بعض البصريين : معنى ذلك : وإنه من أجل حب الخير لشديد ؛ أي : لبخيل ; قال : يقال للبخيل : شديد ومتشدد . واستشهدوا لقوله ذلك ببيت طرفة بن العبد البكري :
أرى الموت يعتام النفوس ويصطفي عقيلة مال الباخل المتشدد
وقال آخرون : معناه : وإنه لحب الخير لقوي .
وقال بعض نحويي الكوفة : كان موضع ( لحب ) أن يكون بعد شديد ، وأن يضاف شديد إليه ، فيكون الكلام : وإنه لشديد حب الخير ; فلما تقدم الحب في [ ص: 568 ] الكلام ، قيل : شديد ، وحذف من آخره ، لما جرى ذكره في أوله ولرءوس الآيات ، قال : ومثله في سورة إبراهيم : ( كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف ) والعصوف لا يكون لليوم ، إنما يكون للريح ; فلما جرى ذكر الريح قبل اليوم طرحت من آخره ، كأنه قال : في يوم عاصف الريح ، والله أعلم .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( وإنه لحب الخير لشديد ) قال : الخير : الدنيا ; وقرأ : ( إن ترك خيرا الوصية ) قال : فقلت له : ( إن ترك خيرا ) : المال ؟ قال : نعم ، وأي شيء هو إلا المال ؟ قال : وعسى أن يكون حراما ، ولكن الناس يعدونه خيرا ، فسماه الله خيرا ؛ لأن الناس يسمونه خيرا في الدنيا ، وعسى أن يكون خبيثا ، وسمي القتال في سبيل الله سوءا ، وقرأ قول الله : ( فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء ) قال : لم يمسسهم قتال ; قال : وليس هو عند الله بسوء ، ولكن يسمونه سوءا .
وتأويل الكلام : إن الإنسان لربه لكنود وإنه لحب الخير لشديد وإن الله على ذلك من أمره لشاهد . ولكن قوله : ( وإنه على ذلك لشهيد ) قدم ، ومعناه التأخير ، فجعل معترضا بين قوله : ( إن الإنسان لربه لكنود ) ، وبين قوله : ( وإنه لحب الخير لشديد )
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سعيد ، عن قتادة ( إن الإنسان لربه لكنود وإنه على ذلك لشهيد ) قال : هذا في مقاديم الكلام ، قال : يقول : إن الله لشهيد أن الإنسان لحب الخير لشديد .
وقوله : ( أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور )
يقول : أفلا يعلم هذا الإنسان الذي هذه صفته ، إذا أثير ما في القبور ، وأخرج ما فيها من الموتى وبحث .
وذكر أنها في مصحف عبد الله : ” إذا بحث ما في القبور ” وكذلك تأول ذلك أهل التأويل . [ ص: 569 ]
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، في قوله : ( بعثر ما في القبور ) بحث . وللعرب في ( بعثر ) لغتان : تقول : بعثر ، وبحثر ، ومعناهما واحد .
وقوله : ( وحصل ما في الصدور )
يقول : وميز وبين ، فأبرز ما في صدور الناس من خير وشر .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : ( وحصل ما في الصدور ) يقول : أبرز .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ( وحصل ما في الصدور ) يقول : ميز .
وقوله : ( إن ربهم بهم يومئذ لخبير )
يقول : إن ربهم بأعمالهم ، وما أسروا في صدورهم ، وأضمروه فيها ، وما أعلنوه بجوارحهم منها ، عليم لا يخفى عليه منها شيء ، وهو مجازيهم على جميع ذلك يومئذ .
آخر تفسير سورة والعاديات