تفسير الطبري سورة الغاشية

تفسير الطبري سورة الغاشية

سورة الغاشية  كاملة بالتشكيل

بسم الله الرحمن الرحيم

هَلۡ أَتَىٰكَ حَدِيثُ ٱلۡغَٰشِيَةِ  وُجُوهٞ يَوۡمَئِذٍ خَٰشِعَةٌ  عَامِلَةٞ نَّاصِبَةٞ  تَصۡلَىٰ نَارًا حَامِيَةٗ  تُسۡقَىٰ مِنۡ عَيۡنٍ ءَانِيَةٖ  لَّيۡسَ لَهُمۡ طَعَامٌ إِلَّا مِن ضَرِيعٖ  لَّا يُسۡمِنُ وَلَا يُغۡنِي مِن جُوعٖ  وُجُوهٞ يَوۡمَئِذٖ نَّاعِمَةٞ  لِّسَعۡيِهَا رَاضِيَةٞ  فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٖ  لَّا تَسۡمَعُ فِيهَا لَٰغِيَةٗ  فِيهَا عَيۡنٞ جَارِيَةٞ  فِيهَا سُرُرٞ مَّرۡفُوعَةٞ  وَأَكۡوَابٞ مَّوۡضُوعَةٞ  وَنَمَارِقُ مَصۡفُوفَةٞ  وَزَرَابِيُّ مَبۡثُوثَةٌ  أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى ٱلۡإِبِلِ كَيۡفَ خُلِقَتۡ  وَإِلَى ٱلسَّمَآءِ كَيۡفَ رُفِعَتۡ  وَإِلَى ٱلۡجِبَالِ كَيۡفَ نُصِبَتۡ  وَإِلَى ٱلۡأَرۡضِ كَيۡفَ سُطِحَتۡ  فَذَكِّرۡ إِنَّمَآ أَنتَ مُذَكِّرٞ  لَّسۡتَ عَلَيۡهِم بِمُصَيۡطِرٍ  إِلَّا مَن تَوَلَّىٰ وَكَفَرَ  فَيُعَذِّبُهُ ٱللَّهُ ٱلۡعَذَابَ ٱلۡأَكۡبَرَ  إِنَّ إِلَيۡنَآ إِيَابَهُمۡ  ثُمَّ إِنَّ عَلَيۡنَا حِسَابَهُم 

 

 

 

 بسم الله الرحمن الرحيم

القول في تأويل قوله تعالى : ( هل أتاك حديث الغاشية ( 1 ) وجوه يومئذ خاشعة ( 2 ) عاملة ناصبة ( 3 ) تصلى نارا حامية ( 4 ) تسقى من عين آنية ( 5 ) ليس لهم طعام إلا من ضريع ( 6 ) لا يسمن ولا يغني من جوع ( 7 ) ) .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : ( هل أتاك ) يا محمد ( حديث الغاشية ) يعني : قصتها وخبرها .

واختلف أهل التأويل في معنى الغاشية ، فقال بعضهم : هي القيامة تغشى الناس بالأهوال .

ذكر من قال ذلك :

حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ( الغاشية ) من أسماء يوم القيامة ، عظمه الله ، وحذره عباده .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( هل أتاك حديث الغاشية ) قال : الغاشية : الساعة .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، في قوله : ( هل أتاك حديث الغاشية ) قال : الساعة .

وقال آخرون : بل الغاشية : النار تغشى وجوه الكفرة .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن يمان ، عن أشعث ، عن سعيد ، في قوله : [ ص: 382 ] ( هل أتاك حديث الغاشية ) قال : غاشية النار .

والصواب من القول في ذلك أن يقال : إن الله قال لنبيه صلى الله عليه وسلم : ( هل أتاك حديث الغاشية ) لم يخبرنا أنه عنى غاشية القيامة ، ولا أنه عنى غاشية النار . وكلتاهما غاشية ، هذه تغشى الناس بالبلاء والأهوال والكروب ، وهذه تغشى الكفار باللفح في الوجوه والشواظ والنحاس ، فلا قول في ذلك أصح من أن يقال كما قال جل ثناؤه ، ويعم الخبر بذلك كما عمه .

وقوله : ( وجوه يومئذ خاشعة ) يقول تعالى ذكره : وجوه يومئذ ، وهي وجوه أهل الكفر به

خاشعة ، يقول : ذليلة .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( وجوه يومئذ خاشعة ) أي : ذليلة .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : ( خاشعة ) قال : خاشعة في النار .

وقوله : ( عاملة ) يعني : عاملة في النار . وقوله : ( ناصبة ) يقول : ناصبة فيها .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ( عاملة ناصبة ) فإنها تعمل وتنصب من النار .

حدثني يعقوب ، قال : ثنا ابن علية ، عن أبي رجاء ، قال : سمعت الحسن ، قرأ : ( عاملة ناصبة ) قال : لم تعمل لله في الدنيا ، فأعملها في النار .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( عاملة ناصبة ) تكبرت في الدنيا عن طاعة الله ، فأعملها وأنصبها في النار .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : ( عاملة ناصبة ) قال : عاملة ناصبة في النار .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( عاملة ناصبة ) قال : لا أحد أنصب ولا أشد من أهل النار . [ ص: 383 ]

وقوله : ( تصلى نارا حامية ) يقول تعالى ذكره : ترد هذه الوجوه نارا حامية قد حميت واشتد حرها .

واختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء الكوفة ( تصلى ) بفتح التاء ، بمعنى : تصلى الوجوه . وقرأ ذلك أبو عمرو ( تصلى ) بضم التاء اعتبارا بقوله : ( تسقى من عين آنية ) ، والقول في ذلك أنهما قراءتان صحيحتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب .

وقوله : ( تسقى من عين آنية ) يقول : تسقى أصحاب هذه الوجوه من شراب عين قد أنى حرها ، فبلغ غايته في شدة الحر .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( تسقى من عين آنية ) قال : هي التي قد أطال أنينها .

حدثني يعقوب ، قال : ثنا ابن علية ، عن أبي رجاء ، عن الحسن ، في قوله : ( تسقى من عين آنية ) قال : أنى طبخها منذ يوم خلق الله الدنيا .

حدثني به يعقوب مرة أخرى ، فقال : منذ يوم خلق الله السماوات والأرض .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : ( من عين آنية ) قال : قد بلغت إناها ، وحان شربها .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( تسقى من عين آنية ) يقول : قد أنى طبخها منذ خلق الله السماوات والأرض .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن الحسن ، في قوله : ( من عين آنية ) قال : من عين أنى حرها : يقول : قد بلغ حرها .

وقال بعضهم : عني بقوله : ( من عين آنية ) من عين حاضرة .

ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( تسقى من عين آنية ) قال : آنية : حاضرة . [ ص: 384 ]

وقوله : ( ليس لهم طعام إلا من ضريع ) يقول : ليس لهؤلاء الذين هم أصحاب الخاشعة العاملة الناصبة يوم القيامة طعام ، إلا ما يطعمونه من ضريع . والضريع عند العرب : نبت يقال له الشبرق ، وتسميه أهل الحجاز الضريع إذا يبس ، ويسميه غيرهم : الشبرق ، وهو سم .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ( ليس لهم طعام إلا من ضريع ) قال : الضريع : الشبرق .

حدثني محمد بن عبيد المحاربي ، قال : ثنا عباد بن يعقوب الأسدي ، قال محمد : ثنا ، وقال عباد : أخبرنا محمد بن سليمان ، عن عبد الرحمن الأصبهاني ، عن عكرمة في قوله : ( ليس لهم طعام إلا من ضريع ) قال : الشبرق .

حدثني يعقوب ، قال : ثنا إسماعيل بن علية ، عن أبي رجاء ، قال : ثني نجدة ، رجل من عبد القيس عن عكرمة ، في قوله : ( ليس لهم طعام إلا من ضريع ) قال : هي شجرة ذات شوك ، لاطئة بالأرض ، فإذا كان الربيع سمتها قريش الشبرق ، فإذا هاج العود سمتها الضريع .

حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد ( ليس لهم طعام إلا من ضريع ) قال : الشبرق .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد ، مثله .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن; قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( ضريع ) قال : الشبرق اليابس .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( إلا من ضريع ) قال : هو الشبرق إذا يبس يسمى الضريع .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( ليس لهم طعام إلا من ضريع ) يقول : من شر الطعام ، وأبشعه وأخبثه .

حدثني محمد بن عبيد ، قال : ثنا شريك بن عبد الله ، في قوله : ( عين آنية ليس لهم طعام إلا من ضريع ) قال : الشبرق .

وقال آخرون : الضريع : الحجارة .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن يمان ، عن جعفر ، عن سعيد ، في قوله : ( ليس لهم طعام إلا من ضريع ) قال : الحجارة .

وقال آخرون : الضريع : شجر من نار .

ذكر من قال ذلك :

حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : ( ليس لهم طعام إلا من ضريع ) يقول : شجر من نار .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( ليس لهم طعام إلا من ضريع ) قال : الضريع : الشوك من النار . قال : وأما في الدنيا فإن الضريع : الشوك اليابس الذي ليس له ورق ، تدعوه العرب الضريع ، وهو في الآخرة شوك من نار .

وقوله : ( لا يسمن ولا يغني من جوع ) يقول : لا يسمن هذا الضريع يوم القيامة أكلته من أهل النار ، ( ولا يغني من جوع ) يقول : ولا يشبعهم من جوع يصيبهم .

 

 

 

 

القول في تأويل قوله تعالى : ( وجوه يومئذ ناعمة ( 8 ) لسعيها راضية ( 9 ) في جنة عالية ( 10 ) لا تسمع فيها لاغية ( 11 ) فيها عين جارية ( 12 ) فيها سرر مرفوعة ( 13 ) وأكواب موضوعة ( 14 ) ونمارق مصفوفة ( 15 ) وزرابي مبثوثة ( 16 ) ) .

يقول تعالى ذكره : ( وجوه يومئذ ) يعني : يوم القيامة ( ناعمة ) يقول : هي ناعمة بتنعيم الله أهلها في جناته ، وهم أهل الإيمان بالله .

وقوله : ( لسعيها راضية ) يقول : لعملها الذي عملت في الدنيا من طاعة ربها راضية ، وقيل : ( لسعيها راضية ) والمعنى : لثواب سعيها في الآخرة راضية . [ ص: 386 ]

وقوله : ( في جنة عالية ) وهي بستان ، عالية ، يعني : رفيعة .

وقوله : ( لا تسمع فيها لاغية ) يقول : لا تسمع هذه الوجوه – المعنى : لأهلها فيها في الجنة العالية – لاغية . يعني باللاغية : كلمة لغو ، واللغو : الباطل ، فقيل للكلمة التي هي لغو لاغية ، كما قيل لصاحب الدرع : دارع ، ولصاحب الفرس : فارس ، ولقائل الشعر شاعر ، وكما قال الحطيئة :

أغررتني وزعمت أن ك لابن بالصيف تامر

يعني : صاحب لبن ، وصاحب تمر . وزعم بعض الكوفيين أن معنى ذلك : لا تسمع فيها حالفة على الكذب ، ولذلك قيل : لاغية ; ولهذا الذي قاله مذهب ووجه ، لولا أن أهل التأويل من الصحابة والتابعين على خلافه ، وغير جائز لأحد خلافهم فيما كانوا عليه مجمعين .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( لا تسمع فيها لاغية ) يقول : لا تسمع أذى ولا باطلا .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( لا تسمع فيها لاغية ) قال : شتما .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( لا تسمع فيها لاغية ) : لا تسمع فيها باطلا ولا شاتما .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، مثله .

واختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء الكوفة وبعض قراء المدينة وهو أبو جعفر ( لا تسمع ) بفتح التاء ، بمعنى : لا تسمع الوجوه . وقرأ ذلك ابن كثير ونافع وأبو عمرو ( لا تسمع ) بضم التاء ، بمعنى ما لم يسم فاعله ويؤنث ، تسمع لتأنيث لاغية . وقرأ ابن محيصن بالضم أيضا ، غير أنه كان يقرؤها بالياء على وجه التذكير .

والصواب من القول في ذلك عندي ، أن كل ذلك قراءات معروفات صحيحات [ ص: 387 ] المعاني ، فبأي ذلك قرأ القارئ فمصيب .

وقوله : ( فيها عين جارية ) يقول : في الجنة العالية عين جارية في غير أخدود .

وقوله : ( فيها سرر مرفوعة ) والسرر : جمع سرير ، مرفوعة ليرى المؤمن إذا جلس عليها جميع ما خوله ربه من النعيم والملك فيها ، ويلحق جميع ذلك بصره .

وقيل : عني بقوله : مرفوعة : موضونة .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : ( فيها سرر مرفوعة ) يعني : موضونة ، كقوله : سرر مصفوفة ، بعضها فوق بعض .

وقوله : ( وأكواب موضوعة ) وهي جمع كوب ، وهي الأباريق التي لا آذان لها . وقد بينا ذلك فيما مضى ، وذكرنا ما فيه من الرواية بما أغنى عن إعادته .

وعني بقوله : ( موضوعة ) : أنها موضوعة على حافة العين الجارية ، كلما أرادوا الشرب وجدوها ملأى من الشراب .

وقوله : ( ونمارق مصفوفة ) يعني بالنمارق : الوسائد والمرافق ; والنمارق : واحدها نمرقة ، بضم النون . وقد حكي عن بعض كلب سماعا : نمرقة ، بكسر النون والراء . وقيل : مصفوفة ; لأن بعضها بجنب بعض .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : ( ونمارق مصفوفة ) يقول : المرافق .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( ونمارق مصفوفة ) يعني بالنمارق : المجالس .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( ونمارق مصفوفة ) والنمارق : الوسائد .

وقوله : ( وزرابي مبثوثة ) يقول تعالى ذكره : وفيها طنافس وبسط كثيرة مبثوثة مفروشة ، والواحدة : زربية ، وهي الطنفسة التي لها خمل رقيق . [ ص: 388 ]

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا أحمد بن منصور ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن سفيان ، قال : ثنا توبة العنبري ، عن عكرمة بن خالد ، عن عبد الله بن عمار ، قال : رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يصلي على عبقري ، وهو الزرابي .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( وزرابي مبثوثة ) : المبسوطة .

 

 

 

 

القول في تأويل قوله تعالى : ( أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت ( 17 ) وإلى السماء كيف رفعت ( 18 ) وإلى الجبال كيف نصبت ( 19 ) وإلى الأرض كيف سطحت ( 20 ) ) .

يقول تعالى ذكره لمنكري قدرته على ما وصف في هذه السورة من العقاب والنكال الذي أعده لأهل عداوته ، والنعيم والكرامة التي أعدها لأهل ولايته : أفلا ينظر هؤلاء المنكرون قدرة الله على هذه الأمور ، إلى الإبل كيف خلقها وسخرها لهم وذللها وجعلها تحمل حملها باركة ، ثم تنهض به ، والذي خلق ذلك غير عزيز عليه أن يخلق ما وصف من هذه الأمور في الجنة والنار ، يقول جل ثناؤه : أفلا ينظرون إلى الإبل فيعتبرون بها ، ويعلمون أن القدرة التي قدر بها على خلقها ، لن يعجزه خلق ما شابهها .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : لما نعت الله ما في الجنة ، عجب من ذلك أهل الضلالة ، فأنزل الله : ( أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت ) فكانت الإبل من عيش العرب ومن حولهم .

حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن أبي إسحاق عمن سمع شريحا يقول : اخرجوا بنا ننظر إلى الإبل كيف خلقت .

وقوله : ( وإلى السماء كيف رفعت ) يقول جل ثناؤه : أفلا ينظرون أيضا إلى [ ص: 389 ] السماء كيف رفعها الذي أخبركم أنه معد لأوليائه ما وصف ، ولأعدائه ما ذكر ، فيعلموا أن قدرته القدرة التي لا يعجزه فعل شيء أراد فعله .

وقوله : ( وإلى الجبال كيف نصبت )

يقول : وإلى الجبال كيف أقيمت منتصبة لا تسقط ، فتنبسط في الأرض ، ولكنها جعلها بقدرته منتصبة جامدة ، لا تبرح مكانها ، ولا تزول عن موضعها .

وقد حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( وإلى الجبال كيف نصبت ) تصاعد إلى الجبل الصيخود عامة يومك ، فإذا أفضيت إلى أعلاه ، أفضيت إلى عيون متفجرة ، وثمار متهدلة ثم لم تحرثه الأيدي ولم تعمله ، نعمة من الله ، وبلغة الأجل .

وقوله : ( وإلى الأرض كيف سطحت ) يقول : وإلى الأرض كيف بسطت ، يقال : جبل مسطح : إذا كان في أعلاه استواء .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( وإلى الأرض كيف سطحت ) ؛ أي : بسطت ، يقول : أليس الذي خلق هذا بقادر على أن يخلق ما أراد في الجنة .

 

 

 

القول في تأويل قوله تعالى : ( فذكر إنما أنت مذكر ( 21 ) لست عليهم بمسيطر ( 22 ) إلا من تولى وكفر ( 23 ) فيعذبه الله العذاب الأكبر ( 24 ) إن إلينا إيابهم ( 25 ) ثم إن علينا حسابهم ( 26 ) ) .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : ( فذكر ) يا محمد عبادي بآياتي ، وعظهم بحججي وبلغهم رسالتي ( إنما أنت مذكر ) يقول : إنما أرسلتك إليهم مذكرا لتذكرهم نعمتي عندهم ، وتعرفهم اللازم لهم ، وتعظهم .

وقوله : ( لست عليهم بمسيطر ) يقول : لست عليهم بمسلط ، ولا أنت بجبار تحملهم على ما تريد . يقول : كلهم إلي ، ودعهم لي وحكمي فيهم ; يقال : قد [ ص: 390 ] تسيطر فلان على قومه : إذا تسلط عليهم .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : ( لست عليهم بمسيطر ) يقول : لست عليهم بجبار .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( لست عليهم بمسيطر ) ؛ أي : كل إلي عبادي .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( بمسيطر ) قال : جبار .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر ) قال : لست عليهم بمسلط أن تكرههم على الإيمان ، قال : ثم جاء بعد هذا : ( جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ) وقال ( اقعدوا لهم كل مرصد ) وارصدوهم لا يخرجوا في البلاد ( فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم ) قال : فنسخت ( لست عليهم بمسيطر ) قال : جاء اقتله أو يسلم ; قال : والتذكرة كما هي لم تنسخ ، وقرأ : ( وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين ) .

حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن أبي الزبير ، عن جابر بن عبد الله ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله ، فإذا قالوا : لا إله إلا الله ، عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها ، وحسابهم على الله ” ثم قرأ : ( إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن أبي الزبير محمد بن مسلم ، قال : سمعت جابر بن عبد الله ، يقول : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول ، فذكر مثله ، إلا أنه قال : قال أبو الزبير : ثم قرأ : ( إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر ) .

حدثنا يوسف بن موسى القطان ، قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن أبي الزبير ، ص: 391 ] عن جابر ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مثله .

وقوله : ( إلا من تولى وكفر ) يتوجه لوجهين : أحدهما : فذكر قومك يا محمد ، إلا من تولى منهم عنك ، وأعرض عن آيات الله فكفر ، فيكون قوله ” إلا ” استثناء من الذين كان التذكير عليهم ، وإن لم يذكروا ، كما يقال : مضى فلان ، فدعا إلا من لا ترجى إجابته ، بمعنى : فدعا الناس إلا من لا ترجى إجابته . والوجه الثاني : أن يجعل قوله : ( إلا من تولى وكفر ) منقطعا عما قبله ، فيكون معنى الكلام حينئذ لست عليهم بمسيطر ، إلا من تولى وكفر ، يعذبه الله ، وكذلك الاستثناء المنقطع يمتحن بأن يحسن معه إن ، فإذا حسنت معه كان منقطعا ، وإذا لم تحسن كان استثناء متصلا صحيحا ، كقول القائل : سار القوم إلا زيدا ، ولا يصلح دخول إن هاهنا لأنه استثناء صحيح .

وقوله : ( فيعذبه الله العذاب الأكبر ) : هو عذاب جهنم ، يقول : فيعذبه الله العذاب الأكبر على كفره في الدنيا ، وعذاب جهنم في الآخرة .

وقوله : ( إن إلينا إيابهم ) يقول : إن إلينا رجوع من كفر ومعادهم ( ثم إن علينا حسابهم ) يقول : ثم إن على الله حسابه ، وهو يجازيه بما سلف منه من معصية ربه ، يعلم بذلك نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم أنه المتولي عقوبته دونه ، وهو المجازي والمعاقب ، وأنه الذي إليه التذكير وتبليغ الرسالة .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( إلا من تولى وكفر ) قال : حسابه على الله .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( إن إلينا إيابهم ثم إن علينا حسابهم ) يقول : إن إلى الله الإياب وعليه الحساب .

آخر تفسير سورة الغاشية

اترك تعليقاً